في أول يوم من شهر رمضان وبينما كانت طائرات “بشار الأسد” تقصف سوقاً شعبية في مدينة العشارة بريف دير الزور راح ضحيته نحو 30 مدنياً ما بين شهيد وجريح، كانت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي مشغولة بترشيح ” هدية عباس ” ابنة دير الزور لتكون أول امرأة تترأس مجلس الشعب السوري منذ تأسيسه في محاولة واضحة لتجميل صورة النظام المهترئة وإرسال رسالة للعالم أجمع مفادها أنه الطرف الوحيد من بين أطراف الأزمة السورية الذي يحترم حقوق المرأة، ويرفع الحيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تتعرض له على يد باقي خصومه، متناسياً آلاف المعتقلات من النساء اللاتي لا يزلن يقبعن في غياهب زنازين أجهزته الأمنية دون أن يُعرف مصير الكثير منهن منذ سنوات .
لا شك أن اختيار ” هدية عباس ” بالتزكية رئيساً للسلطة التشريعية في البلاد رسالة لها دلالات كثيرة، وهي موجهة للخارج بالدرجة الأولى، وليس لأهالي دير الزور الذين أصبح غالبيتهم إما نازح في مخيمات اللجوء وأو لاجئ في أصقاع الأرض كحال إخوانهم من السوريين هرباً من براميل النظام المتفجرة. رسالة تم إخراجها بعقلية أمنية مخابراتية يراد بها أنه من داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام في عقر تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” في دير الزور والتي لا تتجاوز نسبتها 3% من مساحة المحافظة تم انتخاب أول أمرأة لترأس البرلمان السوري في أشد الظروف قسوة، في الوقت الذي يقتل فيه تنظيم ” داعش” النساء في تلك المناطق ويمنعهن من ممارسة كافة أنشطة الحياة ويفرض عليهن أحكاماً قاسية.
لكن حقيقة الموقف ليست كذلك فهدية عباس ما هي إلا بيدق من بيادق النظام حان الوقت لاستثماره وهي المعروفة بولائها الشديد لحزب البعث طوال مسيرتها الحزبية التي قضت معظمها في مسقط رأسها في دير الزور عندما كانت عضو في المكتب الإداري لطلبة سورية وعضو قيادة في فرع دير الزور لحزب البعث.
اختيار ” هدية عباس” بالتزكية دون تصويت ، لعدم ترشح أي عضو آخر ، هو مسرحية هزلية أخرجها ” نجدت إسماعيل أنزور” المخرج السينمائي المعروف والذي تم اختياره أيضاً نائباُ لرئيس المجلس، وتعكس هذه المسرحية بكل سذاجة حقيقة هذا المجلس المتعفن بقدر عفونة النظام والفاسد بقدر فساد النظام ذاته، وتصوير مشهد تربعها على كرسي رئاسة المجلس والتطبيل له من قبل مواقع النظام وكأننا أمام عرس ديمقراطي، هو في الحقيقة تربعها على أشلاء شهداء العشارة الذين سقطوا في يوم اختيارها لرئاسة المجلس وتربعها على أنقاض الجسر المعلق والدير العتيق وتكايا دير الزور المهدمة وكنائسها وباقي أحياء المدينة المدمرة.
في السياق ذاته يعتبر اختيار النظام للمخرج ” نجدت إسماعيل أنزور” نائباً لرئيس المجلس، لإكمال فصول المسرحية ولتصبح أكثر تشويقاً وأكثر دراماتيكية ، و” أنزور” هو صاحب فيلم ” فانية وتتبدد ” الذي ركز فيه على استغلال تنظيم الدولة ” داعش” للمرأة في عدة مشاهد من خلال السبايا اللاتي يستغلهن عناصر التنظيم لإشباع رغباتهم الجنسية لا أكثر .
باعتقادنا أن اختيار “هدية ونجدت ” لن يفلح في تجميل صورة النظام الفاسد المهترئ والساقط بكل المعايير الإنسانية ولو جلب أشهر ماركات مساحيق التجميل في العالم لن تفيد في تجميل صورته وإخفاء جرائمه بحق الأطفال والمرأة والإنسانية جمعاء وما هذه المحاولة إلا كمن يعالج مريض بالسرطان بحبة من الاسبرين .
د. وسام الدين العكلة- المركز الصحفي السوري