بدأت قوات المعارضة السورية في ريف اللاذقية الشمالي يوم الاثنين معركة تحت مسمى “اليرموك”، تيمنًا بالمعركة الشهيرة التي انتصر فيها المسلمون على البيزنطيين في 636 م، وضموا من خلالها بلاد الشام إلى أراضيهم.
ولوحظ مع بدء الساعات الأولى للمعركة، والتي شهدت هذه المرة مشاركة واسعة من كافة الفصائل العسكرية، تقدمًا واسعًا لفصائل المعارضة التي سيطرت على عدد من المواقع أبرزها تلة أبو علي وبرج قرية البيضاء وقرية مازغلي والقرميل في جبل الأكراد.
وفي اليوم التالي، واصل مقاتلو المعارضة تقدّمهم في جبل الأكراد، وتمكنوا من السيطرة على تلة الملك الاستراتيجية والقريبة من بلدة كنسبا، وتعتبر تلة الملك مركز ثقل لقوات النظام في جبل الأكراد وتكشف مواقع له في قرية عكو، ومع بدء المرحلة الثانية من معركة اليرموك، سيطروا على تلتَي أبو أسعد والحدادة، ليضعوا نصب أعينهم بلدة كنسبا الاستراتيجية، التي تقع قرب الأوتوستراد الرئيسي اللاذقية – حلب، ويؤمن للمعارضة مناطق سيطرتهم في جبل الأكراد ومنطقة جسر الشغور في ريف إدلب، وجبل التركمان من الجهة الغربية.
ويمكن القول حتى الآن، أن معركة اليرموك لن تكون مشابهة للمعارك الأخيرة التي أطلقتها فصائل المعارضة في ريف اللاذقية الشمالي، رغم شبح السيناريوهات الماضية لمعارك ريف اللاذقية الشمالي، منذ خسارة معظم جبلي التركمان الأكراد.
وانطلقت بعد هذه الخسارة، معارك ثلاث لقوات المعارضة مشابهة في البداية والنهاية، كان أولها معركة “الكرارون”، والتي بدأت مطلع شهر نيسان الماضي، وجاءت ردًا على انتهاكات النظام وخروقاته للهدنة التي صيغت بقرار أمريكي روسي، ورغم سيطرة المعارضة على قريتي نحشبا ورشا في محيط بلدة كنسبا، إلا أن المعركة لم تستمر سوى أربع وعشرين ساعة، حيث استطاع النظام استعادة السيطرة على الموقعين المذكورين من جديد.
ولم تمض سوى أيام قليلة، حتى بدأ مقاتلو المعارضة معركة أخرى تحت شعار، “وادخلوا عليهم الباب” في جبل التركمان. وسيطرت الفصائل العسكرية على برج وقرية البيضاء، وعين عيسى، وتلة أبو علي، لكن هذه المعركة استمرت أيضًا أربعًا وعشرين ساعة، واستعادت قوات النظام في نفس السيناريو المواقع المذكورة.
في المرة الثالثة، بدا أن المعركة أكثر إعداداً مما سبقها، حيث بدأ مقاتلو المعارضة معركة جديدة تحت اسم “رد المظالم”، بسبب كثرة الانتهاكات والخروقات من قوات النظام كاستهداف مخيمات النازحين، والقصف المتواصل من نقاط النظام القريبة على الأحياء السكنية، واستطاعت فصائل المعارضة السيطرة على قمة الملك، وقريتَي نحشبا ورشا بمحيط بلدة كنسبا في جبل الأكراد، لكن السيناريو ذاته أيضاَ، واستعادت قوات النظام السيطرة من جديد.
غير أنه في هذه المرة، تبدو معركة اليرموك مختلفة عن المعارك الماضية، حيث تشهد مشاركة لجميع فصائل المعارضة في ريف اللاذقية الشمالي، بدءًا بـ “الفرقة الأولى الساحلية والفرقة الثانية الساحلية وفيلق الشام ثم حركة أحرار الشام وكتائب أنصار الشام وجبهة النصرة والحزب الإسلامي التركستاني وفرقة أبناء القادسية واللواء العاشر وجيش التحرير وجيش النصر وجيش العزة”، بالإضافة إلى جلب تعزيزات عسكرية ضخمة من ريف إدلب.
كذلك تأتي أهمية المعركة من التوقيت المفاجئ لقوات النظام وروسيا، واللاتان تشنان أعنف حملة عسكرية على ريف حلب، ويتطلعان إلى تعطيل طريق الكاستيلو لحصار حلب تمهيدًا لاجتياحها، وهو الأمر الذي فسّر سرعة سيطرة قوات المعارضة على المواقع في ريف اللاذقية في مقابل هروب قوات النظام وميليشياته، إذ كان للغياب الواضح للطيران الروسي، والذي كان سبباً رئيسًا في تقدّم النظام، ما أثّر على معنويات الأخير.
على ضوء ذلك، ستسبب معركة اليرموك إرباكاً لقوات النظام وروسيا، حيث ستعمد إلى تشتيت انتباهها عن حلب، أو على الأقل توزيع جهودها بين حلب وريف اللاذقية، وفي حال استمرار الجبهتان في ذات التوقيت، فقد تشهد الجبهات أفضيلة لمقاتلي المعارضة، على اعتبار أن قوات النظام تخوض معارك قرب الرقة وريف حمص مع تنظيم الدولة الإسلامية.
يضاف إلى ذلك، أن هذه المعركة ستجبر قوات النظام على التحول من الهجوم إلى الدفاع، وهو ما يعني أن الحملة التي استمرت أشهراً على تلة الكبينة الاستراتيجية في جبل الأكراد ستنكفئ، وبذلك، فإن آمال المعارضة ستبقى قائمة في استعادة ما خسرته في ريف اللاذقية، في حين أن قوات النظام ستلغي فكرة البدء بمعركة جسر الشغور حالياً، على اعتبار أن الكبينة، هي المفتاح لبدء المعركة سواء في جسر الشغور أو سهل الغاب.
ويؤكد القائد العسكري في الفرقة الساحلية الأولى أبو حمزة الجبلاوي أن “هذه المعركة ستكون مختلفة بحكم الفصائل التي اجتمعت ونسقت وتوحدت ضمن غرفة عمليات معركة اليرموك، حيث يتم العمل بين جيش الفتح والفصائل القديمة العاملة في الساحل”، مشيراً إلى أن “الفصائل أربكت قوات النظام بهذا العمل المباغت، بعد سبعة أشهر من محاولة الأخيرة السيطرة على تلة الكبينة، واستنزافها هناك على مدى واسع”.
وأوضح الجبلاوي خلال تصريحات لـ “صدى الشام” أن “فصائل المعارضة تسعى إلى استعادة المناطق التي خسرتها لصالح قوات النظام وإعادة مجدها من جديد، والتقدّم بعد ذلك، منوهاً إلى أن “رأس الأفعى هو في الساحل، وعندما تنطلق المعارك هنا فإن النظام يرتبك داخلياً وخارجياً، والضخ الذي يحدث من قبل جيش الفتح والفصائل المقاتلة هو ضخ إيجابي لكل سوريا، وهو ورقة ضغط كبيرة على النظام لجلب مقاتليه من الداخل الى الساحل”.
صدى الشام_أنس الكردي