أنامل صغيرة وأدوات بسيطة تجسّد الفلسطينية ابنة قطاع غزة قضيتها، لعلّ صوتها يصل إلى العالم.
كان يوماً ماطرًا، هدوءٌ يعمُّ المكان، وصمتٌ لا يكاد يقطعه سوى صوتِ قطراتِ الغيث التي تعانق وجهَ الأرضِ، فتثير في النفس شهيّةَ الخروجِ، واللهو، و مداعبة حبات الرمل المبتلّ بالماء.
هكذا بدأت قصّة الفسلطينية الشابة رنا الرملاوي مع الصلصال…
《كنتُ مندفعةً منذ نعومة أظفاري إلى النحت والتشكيل بأي طريقة كانت، بَيْدَ أنها كانت بالنسبة لي عمليةً مكلفةً وباهظةَ الثمن ..
لقد حرّك هذا المشهد وجداني لتخيلِ وجهِ إنسانٍ على الرمل فبدأتُ بالنحت تدريجيًّا، إلى أن تشكّل فى النهاية مجسمٌّ لتمثالٍ رمليٍّ كامل. لكنه بلا ملامحَ أو تفاصيل》.
كان تمثالًا دونما ملامح، لكنها لمحت فيه بصيص الأمل؛ إذ تراءى لها -على جموده_ يلوّح لها :مرحباً بكِ في عالم الخلق والإبداع.
لم تدخل رنا كلية الفنون الجميلة، ولم تتعلم قواعد النحت والتشكيل، لكنها ملكَةُ الإبداع، قد امتزجت بشعور إنسانيّ صادق حتى استفاضت وانكبت على الجماد تؤنسنه.
منحوتات رنا مليئة بالأحاسيس، بل إنها لتكاد تتحرك وتنطق؛ فتارةً تروي تجاربها الإنسانية الخاصة، مثلما فعلت بمنحوتة جسدت فيها شقيقها محتضناً طفلته الصغيرة، وتارةً تسكب عصارة آلام شعب محاصر لم يعد يحلم سوى بالخبز، وتارة تجسّد معاناة إنسان لا ذنب له سوى أنه عربيّ.
ومن منحوتاتها:
منحوتة للمصوّر الصحفي الفلسطيني معاذ العمارنة، أراد له جنود الاحتلال أن يعمى عن الواقع فأرداه برصاصة غيّبت بصره، بيد أنّ رنا أرادت أن يبصره العالم، ويخلده.
ومنحوتة لسفير السلام الطبيب الفلسطيني عز الدين أبي النغيس. أرادت رنا أن تقول من خلالها: “فليشهدْ كل العالم قصة هذا الرجل الإنسان ولو كان بيدي أن أفعل أكثر من ذلك لفعلت”
وعلى الرّغم من ضعف الحيلة، وقلّة التأييد، اختارت رنا أن تجسّد قضيتها، وتوصل صوتها إلى العالم من خلال منحوتاتها، فيا لَجمال مايصنع إنسان محاصر لا يملك سوى رملٍ وأدوات نحت، لكنه يأبى إلا أن ينتصرَ للإنسان، ولو كان ذلك بإنطاقِ رملٍ أصَم.
بقلم: أحمد جعجع