كانت معرة النعمان تضجُ بالحياة رغم كل المآسي، بلدُ الخيرِ ومنبعُ الطيب، ومقصد الزائرين من جميع قرى ريفها، فهي كما يشهد الجميع، بلدُ البركة والفقراء، وأسواقها تعجُ ليلَ نهار بالبسطاء.
“رجعونا علمعرة ونحنا بخير، مابدنا شي تاني غير نرجع ع المعرة”، هذه مقولة أبي عبد الستار المعهودة في كل مجلس وبعد كل مؤتمر يخص سوريا، فالبلد أغلى ما فقده أبو عبد الستار، وبحسب كلامه أن معرة النعمان كانت أم الجميع.
نزح أبو عبد الستار صحبة أطفاله وزوجته من معرة النعمان، بعد محاولاتٍ عديدة لإقناعه بالخروج، رأفةً بحال أطفاله و ذعرِ زوجته الذي كان يهزُ أركانها، يقول “خرجت مكرهاً، كان نزعُ الروحِ من الجسد أسهلُ من رحيلي خارجَ معرة النعمان، ومنزلي القديم الذي ورثته عن ولادي، كان المنزل يحوي في أركانه رائحة أمي ووالدي، كانت تعشعش في جميع الزوايا تلك الرائحة”.
” بعدما كنا أحياءً بحياةِ مدينتنا، أصبحنا اليوم أمواتاً ندفن في المخيمات، يصدع رؤوسنا ضجيج الذكريات، ويقتل أكبادنا الحنين، ولا مأوىً نطيق بعد معرتنا، ولا حياة نريد بدون أركان شوارعها القديمة”.
يروي أبو عبد الستار قليلاً من ذكرياته مع مدينته معرة النعمان، تأكل ملامحه عبرات الشوق، وتمتلئ عينيه بدموع الحنين “أحن إلى صوت الأذان من الجامع الكبير، وازدحام المصلين وتراصهم فيه، اشتاق إلى أصوات الباعة في سوق الخضرة، وأحجار المتحف القديم وقبر أبي العلاء المعري، كل أولئك الذكريات تعبر في أذهاني عشرات المرات يومياً”.
سيطرت قوات النظام السوري مدعومةً بآلة القتل الروسية على مدينة معرة النعمان، في الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير 2020، بعد حملةٍ بربرية دمرت معظم ملامح الحياة في المدينة، وهجرت مئات الآلاف من مدينة معرة النعمان وريفها، في أكبر حملة تهجير شهدتها الثورة السورية على مدار عشر سنواتٍ من الحرب.
لم تكن تلك النائبة الوحيدة التي تصيب معرة النعمان، فعشرات المرات تعرضت للغزو على طول تاريخها العريق، منها تهدمها أيام الحملة الصليبية الأولى عام 1908م، واندلاع معارك طاحنة بين الفرنج والصليبيين هناك، لتحرق في الثالث عشر من يناير/1099 على يد الفرنج ويهدم سورها حجراً حجراً.
واليوم وبعد مئات السنين، تمر الذكرى الأولى لتدمير مدينة معرة النعمان على يد قوات الأسد، لتكون خير شاهد على أنه مهما اختلف المجرمون و المحتلون، يبقى العداء واحدا والتخريب واحدا، ويختلف المجرمون ولا تختلف الجرائم.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع
إبراهيم الخطيب/قصة خبرية