طال فصل شتاء هذا العام في حالة غير مسبوقة ولا متوقعة من السوريين، الذي أصبح البرد فيه عدوهم اللدود، أو سلاحاً آخر يضاف إلى صواريخ النظام ورصاصه، يتغلغل بين ثنايا الخيم المهترئة، ليعيش على أجساد الأطفال الرقيقة، وآمال الأهالي البعيدة في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم، وكأنّه أضحى وصفة من قبل العالم يجب أن يتجرّعها السوريون كل شتاء.
مصطفى ذو الأربعين سنة، مهجر من بيته بريف حلب الشرقي، يعيش مع زوجته وأطفاله الصغار داخل خيمة كل أشرعتها أرق من نسج العنكبوت، يقول “ايمتى نشوف الشمس وندفي الأولاد ماضل عنا شي نتدفا عليه حرقنا كلشي، ما ضل غير أنو نحرق حالنا مشان ولادنا، وين العالم مانهون حاسين فينا”.
يضيف مصطفى والبرد يقطع صوته، وكأنه أضحى مثل صوت محرك السيارة المتهالك، الذي يرفض زحزحة السيارة من مكانها، والتعرض لموجات البرد والصقيع، بل أن جلد يديه ووجهه تلبّد وكأنّه كومة فوق بعضها البعض نتيجة الشّعور بالبرد.
يقول إنّ أولاده ولدوا وعاشوا طيلة السنوات الماضية، ولم يعرفوا طعم الدفء في ليالي الشتاء، ليدخلوا تحت أحضانه وأمهم عندما يريدون النوم، ليسقطوا في سبات عميق، ويمسح بيديه على وجوههم البريئة، دون معرفة ما ينتظرهم غداً.
يتحدث مصطفى مع بعض جيرانه من مناطق مختلفة من سورية، جمعهم مصير مشترك، ويقول مستهزئاً عن ذلك “لقد حقق لنا العالم ما نطالب فيه دائماً، وهو حق تقرير المصير، دون معرفته بالفرق بين مصير وآخر”.
يأمل السوريون في هذه الظروف الاستثنائية، أن تحمل لهم الأيام القادمة ما عجز العالم عن تقديمه، بعودة انتفاضتهم وسحق الطغاة بعد الخلاص من براثن روسيا وأدواتها في سوريا.
قصة خبرية بقلم طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع