وصف حقوقيون سوريون التوجه الهولندي لمقاضاة النظام السوري في «محكمة العدل الدولية» في لاهاي، بالتحرك المتأخر، معتبرين في تصريحات لـ «القدس العربي» أن مقاضاة النظام السوري على جرائمه وانتهاكاته، كان يجب أن تكون على سلم أولويات المجتمع الدولي.
وكانت هولندا، قد دعت النظام السوري في مذكرة، إلى تحمل مسؤولياته الدولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، مثل عمليات التعذيب واستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وذكر بيان صادر عن مجلس النواب الهولندي، أنه تم تقديم مذكرة إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، تدعو فيها النظام إلى محادثات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها في البلاد، مؤكداً أن النظام السوري خرق اتفاقية «الأمم المتحدة» لمناهضة التعذيب لعام 1984 من خلال انتهاكات حقوق الإنسان ضد مواطنيه منذ العام2011 ومطالباً إياه بقبول مسؤوليته عن تلك الانتهاكات، وتعويض الضحايا عن الأضرار التي ألحقها بهم.
وقال مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني، إن النظام السوري يخرق الاتفاقيات الدولية الحقوقية، رغم مصادقته عليها، وكان فس مقدور الدول الموقعة على الاتفاقيات التحرك ضده في «محكمة العدل» منذ زمن. ومع ذلك، وجه الشكر للسلطات الهولندية، بسبب المبادرة الأخيرة، وقال: إن « ما يميز التحرك الهولندي الأخير، عن التحركات الحقوقية السابقة التي سُجلت في عدد من المحاكم الأوروبية ضد النظام (الولاية القضائية) أنه يبحث في إدانة النظام السوري ككيان، أي الدولة السورية، وليس أفراد».
ومن المرجح وفق مدير الشبكة الحقوقية، أن تصدر «محكمة العدل» بعد إعداد هولندا الدعوى القضائية، قراراً بإدانة النظام السوري، بارتكابه جرائم تعذيب، ما يعني تشديداً للحصار على النظام السوري. ولا يعني ذلك، أن صدور الحكم سيتم قريباً، وأوضح عبد الغني أنه قد يستغرق ذلك مدة زمنية من الإجراءات تصل إلى خمس سنوات، مستدركاً: «لكن مجرد رفع الدعوى، سيفرض على أي دولة في العالم أن تعيد حساباتها بعلاقاتها مع النظام السوري».
ومختلفاً مع عبد الغني، قلل رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، الحقوقي السوري البارز، أنور البني، من أهمية التحرك الهولندي، وقال لـ «القدس العربي»: بالرغم من أهمية محكمة العدل على المستوى الدولي، إلا أن تأثير قراراتها يبقى معنوياً، أي المطالبة بوقف الانتهاكات، من دون المحاسبة عن الجرائم التي ارتكبت سابقاً في سوريا. وأضاف البني أن المنحى الإيجابي الوحيد، هو أن قرارات المحكمة تكون ملزمة بعد صدورها، وفي حالتنا قد يعني صدور حكم عن محكمة العدل ضد النظام السوري، إلى منع الأخير من ارتكاب انتهاكات جديدة، متسائلاً: «لكن ماذا عن الضحايا السابقين؟». وتابع «بالنسبة لي، لدي مخاوف من فتح المحكمة لمفاوضات مع الدولة التي تقوم بالانتهاكات، وهذا يجعلني أشعر بالتوجس، من إعادة الدول الأوروبية لفتح باب المفاوضات مع نظام الأسد بخصوص الانتهاكات، علماً بأنها تصنفه دولة مارقة، منذ سنوات».
وهاجم النظام السوري هولندا، بسبب اعتزامها تقديم دعوى ضده في «محكمة العدل» موجهاً انتقادات حادة لها، وقالت خارجيته، إن ما تنوي هولندا فعله «انتهاك فاضح لتعهداتها والتزاماتها كدولة المقر لهذه المنظمة الدولية ونظامها». وأضافت في بيان نشرته وكالة أنباء النظام «سانا»: «من جديد تصر الحكومة الهولندية، التي ارتضت لنفسها دور التابع الذليل للولايات المتحدة الأمريكية، على استخدام محكمة العدل الدولية في لاهاي لخدمة أجندات سيدها الأمريكي السياسية».
وفي تعليقه على ردود فعل النظام، قال البني: «النظام يهاجم أي تحرك يتهمه بارتكاب الجرائم، وهجومه على هولندا، لا يعني أن نتعامل مع التحرك الهولندي على أنه تحرك سيعيد الحقوق» منهياً بقوله: «بعد مرور نحو عقد من الجرائم في سوريا، يُقدم لنا المجتمع الدولي الفُتات، وعلينا أن ننظر إلى الخطوة وفق تأثيراتها المستقبلية، وهذا التوصيف الحقيقي للواقع».
في المقابل، رحب الائتلاف السوري المعارض بالخطوة التي اتخذتها الحكومة الهولندية، مؤكداً دعمه الكامل للجهود المبذولة من أجل إنصاف الضحايا، ومنع إفلات المتورطين من العقاب، ولإنهاء ظواهر التعذيب الوحشي، والتصفية، المعتمدة سلوكاً ممنهجاً واستراتيجية أساسية لدى نظام الأسد. وأضاف في بيان، تسلمته «القدس العربي» يستهتر نظام الأسد بالقرارات الدولية، وينتهك بشكلٍ صارخ ميثاق الأمم المتحدة، وشرعة حقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها دون أن يلتزم بأي من بنودها.
نقلا عن القدس العربي