بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” بتغيير استراتيجياته العسكرية التي يتبعها مع خصومه الميدانيين دون استثناء، بدءاً من المعارضة السورية مروراً بجبهة النصرة ووصولاً إلى النظام السوري. بالتزامن مع زيادة الضغط الميداني على التنظيم، الشهر الماضي، من خلال العملية العسكرية التي أطلقتها قوات النظام ضده في تدمر والقريتين بريف حمص، والعملية التي أطلقتها فصائل المعارضة ضده في ريفَي حلب الشمالي ودرعا الغربي، عمد التنظيم إلى تغيير أولوياته العسكرية من استراتيجية التمسك بالأرض التي يسيطر عليها والدفاع عنها، إلى محاولة القيام بعمليات كرّ وفرّ تجبر خصومه على التقدم في مناطق سيطرته، ليصبح هؤلاء صيداً سهلاً لمسلحيه. وبات التنظيم يملك خبرة لا يستهان بها في حرب الشوارع، وعمليات زرع الألغام والتفخيخ التي تساعده على إيقاع خسائر كبيرة في صفوف خصومه.
تزامنت محاولات التنظيم في جرّ خصومه إلى معارك استنزاف مع انطلاق الهدنة بين قوات النظام السوري والمعارضة نهاية شهر فبراير/شباط الماضي. وهي الهدنة التي جعلت قوات الطرفَين تتفرغ نسبياً لقتال التنظيم، الأمر الذي دفع “داعش” إلى إجراء تعديلات على الاستراتيجيات العسكرية. ووجّه “داعش” ضربة للمعارضة السورية شمال حلب بعد تراجعه الكبير أمام عناصرها، نهاية الأسبوع الماضي، إذ تمكّن التنظيم من استعادة السيطرة على بلدة الراعي والقرى المحيطة بها، قرب الحدود السورية ـ التركية، شمال حلب. في المقابل، تمكّنت المعارضة، بعد يومين من المعارك العنيفة، من استعادة قرى جديدة كان “داعش” قد سيطر عليها قبل يوم واحد.
ونفّذ التنظيم في معركة استعادة السيطرة على بلدة الراعي استراتيجيته العسكرية الجديدة التي تمثلت في عملية شن هجمات عسكرية مباغتة على المعارضة التي تهاجمه، يومياً، في مناطق سيطرته شمال حلب، بهدف إرهاقها، واستنزافها من دون التصادم معها بشكل مستمر. وبات التنظيم ينسحب بشكل متكرر من القرى التي يسيطر عليها عند اشتداد هجمات المعارضة، قبل أن يجهز قواته لهجوم معاكس يستعيد به ما خسره من مناطق.ويؤكد الناشط الإعلامي حسن الحلبي لـ”العربي الجديد”، أنّ عمليات الكر والفر بين “داعش” والمعارضة، أفضت، قبل أيام إلى سيطرة “داعش”، مجدداً، على بلدة الراعي، وقرى تل سفير، وقره قوز، وطاط حمص، وقصاجق الواقعة في ريف حلب الشمالي، والتي تسكنها غالبية تركمانية. ويأتي ذلك، بعد أيام من سيطرة المعارضة السورية على هذه المناطق.
وتمكّن التنظيم، بشكل سريع، نهاية الأسبوع الماضي، من التقدم داخل مدينة الضمير وسيطر على أحياء عدة في مناطقها الشمالية والشرقية. كما أحرز تقدماً هاماً في محيط مطار الضمير العسكري، والفوج 16 بعد يوم واحد من سيطرته على معمل إسمنت البادية الحكومي، واحتجازه العشرات من العمّال والموظفين فيه قبل أن يطلق سراحهم في وقت لاحق.
ويقول الناشط همام القلموني لـ”العربي الجديد”، إن طائرات حربية، يُعتقد أنها تابعة للنظام والروس، شنّت نحو سبعين غارة جوية على المناطق التي سيطر عليها “داعش” شمال وشرق مدينة الضمير، في محاولة لردع التنظيم وإجباره على إيقاف هجومه المفاجئ قبل أيام.
ولم يقتصر تقدم “داعش” عند ذلك، مستفيداً من استراتيجيته، إذ تمكّن من التقدم جنوب دمشق على حساب جبهة النصرة التي خسرت معظم مقراتها في مخيم فلسطين لصالحه. ونجح “داعش” في السيطرة على جميع مقرات “النصرة” في جورة الشريباتي، وشارع 15، وحاجز العروبة لتبقى نقاط قليلة لـ”النصرة” في مناطق دوار فلسطين، وشارع جاعونة قبل أن يعلن “داعش” سيطرته على مخيمَي اليرموك وفلسطين بشكل كامل.واستهدفت الغارات مسجد أبو بكر الصديق، ومسجد العمران، ومدرسة ثانوية الضمير للبنين، ومستودع الأعلاف، وسكة القطار في حارة العرب، ومنطقة الماطرون، والمزارع المحيطة بمطار الضمير العسكري، ومناطق بمحيط الفوج 16 قرب مدينة الضمير. وأسفرت هذه الغارات، بحسب مصادر طبية في مدينة الضمير، عن مقتل نحو عشرين من سكان المدينة، وإصابة نحو خمسين آخرين، بالإضافة إلى مقتل وإصابة عدد من مسلحي “داعش”. على الرغم من ذلك، نجح التنظيم في تحقيق مزيد من التقدم. وبالإضافة لسيطرته على أحياء شمال وشرق مدينة الضمير، تمكّن من السيطرة على كتيبة الكيمياء، والكتيبة 559 في محيط مطار الضمير. كما سيطر على نحو عشرة حواجز لقوات النظامفي المنطقة، بالإضافة إلى إحكام قبضته على تلال استراتيجية عدة، مثل كتلة أبو الشامات التي يقع معمل إسمنت البادية قربها.
وتفتح الاستراتيجية العسكرية الناجحة التي يعتمدها “داعش” الباب واسعاً أمام احتمالات نجاح التنظيم في توجيه المزيد من الضربات القوية لخصومه في سورية، خصوصاً مع عدم نجاح أي منهم حتى الآن في توجيه أي ضربة قوية للتنظيم منذ معركة عين العرب مطلع العام الماضي.
العربي الجديد