ذات ليلةٍ رأيتها تركض بلباس شبه ساتر لجسدها، بين أزقة الحي وتصرخ، فتركض تارةً، وتسقط متعثرةً بحجارة الطريق تارةً أخرى، شاهدتها دون درايةٍ بما يحدث، وسط ذهول وتمتمة الكبار، فلم أكن قد تجاوزت السابعة من عمري آنذاك، بقيت تلك القصة الغامضة في ذاكرتي، حتى كبرت، كان فضولي كبير لأعرف السر في حكايتها المُتكتم عليها.
بحثت عنها، حتى اهتديت إلى عنوانها، كانت جميلةً، رغم بنيتها الهزيلة، تتحدث بترددٍ وخوف، تبتسم أحياناً، ثم ماتلبث أن تعود ملامحها العابسة، كررت زيارتها عدة مرات حتى أصبحنا صديقتين، وارتاحت بالحديث معي ..فبدأت رغد -اسم مستعار- بالبوح سرّها لي، دون طلبٍ مني:
“لم أكن ضعيفة كما تريني الآن، لكن شخصيتي كسرت في صغري فقد تعرضت في سن ال14 لتحرش واغتصاب من والدي، الذي من المفترض أن يكون لي السند و يحميني، ويرعاني، لا من يفقدني الأمان والثقة ويزرع بي الشّك والخوف، ولصغر سني لم أدرِ ماذا أتصرف، فأمي متوفية، وإخوتي صغار، لا حيلة لي، هربت إلى أرجاء الحي فأخذني الجيران ليحموني، وانتشر الخبر في أرجاء المنطقة، اختفى لمدة أيام خوفاً من الجيران والسجن، لكنهم عثروا عليه مقتولاً في بئر الحي القديم، ولم يعلم أحدٌ، حتى الآن، أنني أنا من قتله بعد تخطيط و اتفاق مع خالي لذلك”.
وتكمل رغد بأملٍ يلمع في عينيها “تقدم لخطبتي رجلٍ على علم بقصتي، ظننت أنه يشفق على حالي، لكن نيته احتوائي وفك عقدتي، لأنه يدرك أنني ضحية دون ذنب”.
وبالإشارة إلى توأمها بابتسامة خفيفة “رزقني الله بالتوأم جوا وجوان وعوضني الله بهم ما فقدت”.
زِنا المحارم…
لعل من أهمّ أسباب حدوث مثل تلك الجرائم، هو السكوت عنها، وطيّها وإخفائها خشية العار، مما يدفع المجرم للتمادي في أفعاله المشينة، دون خوفٍ من رادعٍ، وخاصةً أنه في نظر المجتمع حامي الفتاة والمسؤول عنها، وآخر من يمكن الشك به.
سهير إسماعيل