غلاء واحتكار وتحكم, هي عنوان لمعاناة السوريين في المناطق المحررة, التي يسيطر عليها التجار والفصائل والخاسر الأكبر؛ هو صاحب الدخل المحدود ” الفقير ” الذي لا يجد قوت يومه, إلا بطلوع الروح .
تراوحت أسعار الغاز بين 7 آلاف و15 ألف ليرة سورية, ويتحكم بذلك التاجر, والفصيل المسيطر على المنطقة, في حين سعر الغاز في مناطق سيطرة النظام 2500 ليرة سورية .
الغاز مصدر طاقة أساسي في المناطق المحررة, ويعتبر شريان الحياة, وسبب استمرار العيش فيها, فأغلب المهن والمحلات, تعتمد على الغاز لإنتاج موادها وبضاعتها وإنارتها, كالمطاعم والمحلات التجارية .
وبعد التحري والسؤال عن أسباب ارتفاع أسعار الغاز, تبين بأن الفصائل المسيطرة على المعابر لها دور كبير بسبب فرض الضرائب أو كما هو معروف أتاوى على التجار الذين بدورهم يفرضون السعر الذي يناسبهم ويرضي جشعهم وأبرز سبب هو غياب الرقابة أو المحاكم التي تراقب الأسعار وتضبط السوق وأيضاً من ضمن الأسباب, وجود علاقات مشتركة ومصالح بين التجار والفصائل الذين يستفيدون من غلاء الأسعار ونسبة الأرباح .
مع الغلاء الفاحش الذي رافق انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن وانخفاض قيمة العملة، انحدر كثير من السوريين إلى حياة الإنسان الاول، بعيد اكتشاف النار، قبل عشرات آلاف السنين.
الطبخ على الحطب، سيرة الحياة الأولى، والسبب هو غلاء ثمن اسطوانة الغاز، ومن لديه بعض القدرة يشتري الكاز ليستعمل الموقد الشعبي المشهور “الببور” الذي كان مجرد تراث تم استدعاؤه من عمق مئة عام ليشهد معنا مأساة شعب في الألفية الثالثة.
ولم يُغفل شحود ذكر مخاطر استعمال الحطب في المنزل والتي ليس أقلها ما كانت ستسببه من احتراق المنزل ذات مرة، فضلاً عن اعلينا.لضار بالصحة.
وأما محمود فليس عنده غاز البتة وهو يستعمل موقد “الببور” رغم ما يحمله من مخاطر حيث وصف تلك المخاطر بالقول: ” الببور له مخاطر جمة و قد حصلت عدة حالات انفجار بسبب خلط الوقود بالبنزين”
وخلال استفسارنا من بعض الإخوة في المناطق المحررة عن وضع الغاز وأسعارها فقد تركزت الإجابات بجملة محددة ” الله يفرجها علينا .. الغاز صار من الرفاهيات وأصحاب المهن والمحلات فقط من يشتريه ”
فقد ذكر لنا ” محمد ” وهو رجل عادي يعمل في الزراعة بأنه لا يحتاج الغاز ولا يشتريه لبيته, ويستخدم الصوبة حالياً كبديل في الطبخ والتدفئة .
أما ” صفوان ” فقد ذكر لنا؛ بأن الغاز أبرز مشكلة يواجها, بسبب أسعاره الغير ثابتة, وغلائه الذي يزيد دائماً؛ فهو صاحب مطعم فروج, ويحتاج للغاز بشكل يومي وأساسي كي يستمر بعمله, وارتفاع أسعار الغاز بين الحين والآخر يسبب له مشاكل مادية ومعنوية مع التجار والزبائن, لأنه يضطر لرفع سعر الفروج والسندويش لديه.
وأكّد لنا ” عبد المجيد ” وهو رجل مثقف, بأن مشكلة الغاز بالمناطق المحررة, تحتاج لخطط وبرامج من قبل المتنفذين والفصائل المسيطرة ، ويجب على الفصائل ترك العمل المدني للمدنيين, عن طريق تشكيل لجنة مهمتها مراقبة أسعار المحروقات ” الغاز, البنزين, المازوت ” ومتابعة الأسواق بشكل مستمر, كي لا يتمادى التجار بالأسعار ومن يخالف يجب محاسبته, وفرض غرامة عليه .
أما أم محمد المرأة العجوز التي أعياها شظف العيش فتقول: “منذ سنة لم يدخل بيتي غاز، فثمنها يصل إلى 10 آلاف ليرة وزوجي كبير في السن عمره 70 سنة ولا يقوى على شيء، أستعمل الحطب في طبخي على ما يسببه لي من سعال وذرف الدموع من الأدخنة التي يسببها إيقاد النار”
ويجدر الإشارة إلى أن الاحتياطي السوري من الغاز في منطقة ” تدمر، قارة، ساحل طرطوس، بانياس ” هو الأكبر بين الدول الست, وهذا يجعل سورية في حال استخراج هذا الغاز ” ثالث بلد مصدر للغاز في العالم”
نعم فهذا هو واقع الحال، ونحن نعلم إن الكثير من السوريين ليس عندهم أصلاً ترف التفنن بالطبخ فضلاً على أن تكون هناك وسيلة الطبخ، ومع أن مواقدهم لن يوقدوها في أيام شهرهم إلا بعدد قليل من المرات، لضيق ذات اليد عن شراء ما يطبخون، و حتى إذا وجد الطعام فقدت الوسيلة أو شحت، فتكدر العيش على كل ما فيه من ضنك وأسى.
كان هذا غيض من فيض معاناة يعيشها عدد لا بأس به من السوريين، فيما يخص قضية واحدة فقط من بين عشرات القضايا التي يعايشون صعباتها بعد أن أنهكت كاهلهم سنين الحرب وأتت على أخضرهم ويابسهم.
المركز الصحفي السوري