الصناعات والحرف اليدوية في سورية تاريخ عريق وجزء من الثقافة الجمالية الشرقية فهو إرثٌ تداوله الأجداد للأبناء والأحفاد.
ثقافة عمرها مئات السنين قدمت للإنسانية أروع الفنون الإسلامية والعربية في الصناعة والدقة في الأداء, فمن سوق المهن اليدوية في مبنى التكية الصغير بدمشق إلى سوق المدينة في حلب إلى سوق صناعة السفن في اللاذقية وأسواق تقليدية أخرى كثيرة في سورية.
تنوعت الحرف اليدوية والصناعات مع تعدد وتغير البيئة السورية وتنوع المواد الأولية التي تشتهر بها كل منطقة فمن الصناعات الزجاجية والفخارية والخشبية والعاجية والصدفية والحلي والنسيج والبروكار الدمشقي والموزاييك والأرابيسك والقاشاني التي أبهرت العالم قاطبة.
قدّم الصنّاع الفنيون السوريون أفضل ما تعلموه وما ورثوه عن الأجداد فأبهروا العالم بأدواتهم البسيطة على مدى عصور مضت رغم ما تعرضت له سورية عبر تاريخها من حروب وبقيت تلك الصناعات حية, لكن أين هي الآن؟
لم تأت على سورية سنوات قاسية كهذه السنوات التي تمر بها الآن, لم تذر ولم تبقِ الحرب على شيء فيما أثرت كثيراً على الصناعات والحرف اليدوية إما بندرة تداولها أو بانقراض الحرفة نهائياً, عوامل كثيرة أثرت على ذلك, منها هجرة الكثير من أصحاب الحرف إلى الخارج وخاصة تركيا وبالتالي عدم مزاولة تلك الحرفة وخصوصاً إن كانت حكراً على عائلة واحدة كما هو الأمر في بعض الحرف اليدوية في دمشق.
أو الانخفاض الكبير في اليد العاملة التي تمتلك الخبرة في العمل التي احتاج الحرفي إلى سنوات كثيرة لاكتساب تلك المهارات ويأتي ذلك الانخفاض أيضاً بسبب استنزافها خارجياً بما أن أجور اليد العاملة ارتفعت عشرات الأضعاف وبات من الصعب تأمين تلك الأجور في ظل عدم وجود أسواق لتصريف المنتجات الحرفية، فوجدت اليد العاملة ملازها خارجياً بأجور تأمن لها عيشة أفضل.
وأيضا موجة الغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتاح البلاد التي جعلت من المواد الأولية التي تحتاجها تلك الحرف صعبة التأمين.
ولا ننسى الحرائق التي أتت على أسواق كثيرة لوقوعها في مناطق الصراع التي أدت بدورها إلى زوال الكثير من المحلات القديمة وبما فيها من بضائع وأحيانا تدمير تلك المحلات, وهذا ما حصل في بعض أسوق دمشق وأيضاً أسواق حلب القديمة حيث أتت الحرائق على أكثر من 1000 محل.
إن بعض الحرف التي انحسرت وتلاشت في سورية ازدهرت في أماكن أخرى خارجها وخصوصاً في تركيا التي استقطبت الكثير من أصحاب الحرف والأيدي العاملة, حيث قام الكثير من أصحاب الحرف بنقل عملهم إلى هناك لحصولهم على استقرار مادي ونفسي بعيداً عن أجواء الحرب, فانتشرت الكثير من المعامل والورش وكانت أكثرها صناعة النسيج لما لها من رواج كبير وسمعة طيبة لدى الغرب.
الحرب أتت على كثير من الحرف بالاندثار إلا أنها قامت بإحياء بعض الحرف والأدوات التي لا تتداول إلا بشكل قليل وذلك للحاجة الماسة إلى تلك الأدوات في ظل الأزمة ومنها صناعة بابور الكاز وتطويره وتغيير شكله بما يتماشى مع المواد الموجودة, وأيضا صناعة مدافئ الحطب التي عادت بشكل واضح مع غلاء المحروقات والاعتماد على الحطب, وفوانيس الكاز والتنجيد العربي وصناعة القش وغيرها من الصناعات التي استحدثت لتلبي متطلبات الحرب.
ولكن رغم كل تلك الظروف التي تعصف بسورية ستبقى الصناعات اليدوية السورية الفريدة والمتميزة بنكهتها التاريخية ولمستها الإبداعية الرائعة مثالاً ومرجعاً من مراجع الفن الأصيل فهي ليست حرفةً فقط بل هي حكايا وقصة عائلة شعبية، وخصائص متوارثة تعطي كل حرفة الطابع الذي يميزها من غيرها من الحرف.
المركز الصحفي السوري- أسماء العبد