بيروت – خرج البطريرك الماروني في لبنان بشارة الراعي عن تحفّظه المعتاد وطالب رئيس الجمهورية ميشال عون بالعمل على “فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر”، وضمان “حياد” لبنان.
واعتبرت مصادر سياسية لبنانية كلام الراعي، الأول من نوعه منذ خلافته البطريرك الراحل نصرالله صفير على رأس الكنيسة المارونية في عام 2011.
وأوضحت المصادر “أن الراعي اختار توجيه اتهامات إلى حزب الله من دون تسميته وذلك من أجل رفع هيمنته على مؤسسات الدولة اللبنانية، بما في ذلك رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة اللبنانية التي يرأسها حسّان دياب والتي يتحكّم بها الحزب”.
ومعروف عن البطريرك الراعي الذي خلف البطريرك نصرالله صفير أنّه لم يستطع كسب ثقة المسيحيين في لبنان كما كانت الحال مع سلفه، وذلك بسبب مواقفه المسايرة لحزب الله في أحيان كثيرة. ورأى سياسي لبناني بارز أنّ الراعي ذهب بعيدا في حملته غير المباشرة على حزب الله عندما طلب “حياد” لبنان، أي أن يكون خارج الحلف الذي يرغب حزب الله وضعه فيه.
وجاء كلام البطريرك الماروني خلال ترؤسه قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي، في الديمان، شمال لبنان. ولفت الراعي إلى أن “أسوأ ما نشهده اليوم هو أن معظم الذين يتعاطون الشأن السياسي، لا يعنيهم إلا مكاسبهم الرخيصة ومصالحهم وحساباتهم”. وأضاف “هؤلاء السياسيون يريدون إخفاء مسؤوليتهم عن إفراغ خزينة الدولة، وعدم إجراء أي إصلاح في الهيكليات والقطاعات”.
وأشار إلى أن المسؤولين السياسيين، من مختلف مواقعهم، لا يمتلكون الجرأة والحرية الداخلية للالتقاء وإيجاد السبل للخروج من أسباب معاناتنا السياسية التي هي أساس أزماتنا الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية”.
واعتبرت الأوساط السياسية اللبنانية أن كلام البطريرك الماروني الذي تفادى في الماضي أي مواقف حادة، جاء ليؤكد أن لا خيار أمام لبنان غير تحييد نفسه عن الصراعات الإقليمية والابتعاد عن المواقف التي تجعل منه حليفا لإيران كما يرغب في ذلك حزب الله.
وقال البطريرك “المرحلةُ التي بلغناها تجعلنا نناشد رئيس الجمهورية العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ ونطلب من الدولِ الصديقةِ الإسراعَ إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر”، ولم يحدد من هي الدول الصديقة، لكنه بدا واضحا أنّه يقصد الدول العربية.
وأشار الراعي إلى أنّ “ثورة شعبنا الجائع والمحروم من أبسط حقوقه الأساسية تستحق الحماية الأمنية لا القمع”. وأضاف “الخطر على لبنان ليس من شبابه وشاباته لكي يُردعوا ويُعتقلوا، فهم بناتنا وأبناؤنا وهم زخم التغيير وأمل المستقبل”.
ويعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، ما فجر منذ أكتوبر الماضي احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية.
ويطالب المحتجون برحيل الطبقة السياسية، التي يحملونها مسؤولية الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والذي يرونه السبب الأساسي في الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد.
وبجانب الأزمة الاقتصادية، يعاني لبنان من انقسام واستقطاب سياسي حاد، خاصة منذ تشكيل الحكومة الحالية، برئاسة حسان دياب، في فبراير الماضي، خلفا لحكومة سعد الحريري، التي استقالت في أكتوبر الماضي، تحت ضغط الاحتجاجات. وسبق أن ردّ البطريرك الماروني على دعوة حزب الله إلى تغيير النظام اللبناني من منطلق أنّ الصيغة التي تأسّس عليها لبنان انتهت.
وقال في عظة سابقة “نرفض أن تتحول عملية تطوير النظام اللبناني إلى ذريعة للقضاء على لبنان، هذا الخيار التاريخي بخصوصياته. إن لبنان الدولة المدنية والشراكة والرسالة موجود منذ مئة سنة. فلا يُخترع (لبنان) اليوم من العدم والفراغ. كان لبنان قبل أن نكون، وسيبقى بعدنا. لبنان أمة موجودة في التاريخ والحاضر، وفي الجغرافيا والوجدان، وقد تأسست بالإرادة والنضال”.
ودافع الراعي عن صيغة الميثاق الوطني اللبناني التي وضعها بشارة الخوري (الماروني) ورياض الصلح (السني) في سنة الاستقلال في عام 1943، قائلا “وحدها الحقيقة التاريخية تبقى، أما الباقي فمرحلي وزائل. لذا يدعونا الواجب للدفاع عن هذا الكيان. نذرنا أنفسنا للبنان حرا وللبنانيين أحرارا. معا يعيشون، ومعا يقاومون كل احتلال وتعد، بقيادة الدولة وشرعيتها وجيشها. لبنان كقيمة ثمينة لا يزال يثير اهتمام الأسرة الدولية، وبالتالي ليس دولة متروكة ومستباحة. فلا يحق للجماعة السياسية أن تتصرف في شؤون البلاد والمواطنين بقلة مسؤولية، وبذات الروح التي أوصلت الدولة إلى الحضيض”.
وكان المفتي الجعفري الممتاز في لبنان أحمد قبلان، المحسوب على حزب الله، قال في خطبة إن لبنان الماضي انتهى، بما في ذلك اتفاق الطائف الذي في أساسه الدستور المعمول به حاليا. ودعا المفتي إلى قيام لبنان جديد على أساس المواطنة وليس على أساس طائفي أو على أساس صيغة “غالب ومغلوب” بعيدا عن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين الواردة في الدستور.
وفسّرت مصادر سياسية لبنانية كلام البطريرك بوجود حاجة إلى إظهار أن هناك ردّا مسيحيا على دعوة حزب الله إلى إعادة تشكيل لبنان على أسس جديدة من جهة وبأن ثمة حاجة شخصية لدى البطريرك إلى تثبيت وجوده كمدافع عن حقوق المسيحيين في لبنان من جهة أخرى.
نقلا عن صحيفة العرب