تقرير بقلم جلال العطار
الثلاثاء 2 كانون الثاني (يناير) 2024
أجبر الصراع المستمر منذ عقد من الزمان في سوريا الملايين على الفرار من منازلهم وتشريد آلاف المزارعين. وانكمش عدد سكان الريف في البلاد بنسبة 50 في المائة بين عامي 2011 و2016، مما أدى إلى خسائر فادحة في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية، فضلًا عن تدمير شبكات الري، وإلحاق أضرار بمساحات زراعية كبيرة، وزيادات حادة في تكاليف الضروريات الزراعية مثل البذور. والأسمدة والمبيدات الحشرية. ولم تؤدي حالات الجفاف المتكررة إلا إلى تفاقم الوضع، مما جعل سوريا أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ وزيادة عرقلة الاستثمار في الأراضي الزراعية.
تبلغ مساحة الأراضي السورية 18.5 مليون هكتار، تشكل المناطق الحرجية والصالحة للزراعة حوالي 32.8% منها ، أي ما يعادل حوالي 6.5 مليون هكتار. أما الجزء المتبقي فيتكون من مناطق قاحلة في البادية السورية. ويعمل في القطاع الزراعي أكثر من 20% من السكان السوريين، الذين يزرعون الحبوب والخضروات والفواكه والزيتون والقطن.
وتقدر تكلفة الأضرار الناجمة عن الحرب على القطاع الزراعي السوري بنحو 16 مليار دولار . وتبلغ قيمة الأصول والبنية التحتية المدمرة وحدها، بما في ذلك المعدات والمزارع والعيادات البيطرية وحظائر الحيوانات والدفيئات الزراعية وأنظمة الري، أكثر من 3 مليارات دولار. وتبلغ خسائر إنتاج المحاصيل نحو 6.3 مليار دولار، في حين تكبد قطاع الثروة الحيوانية وقطاع تربية الأسماك خسائر تقدر بنحو 5.5 مليار دولار و80 مليون دولار على التوالي.
تؤثر الصدمات الاقتصادية والمناخية المتكررة بشدة على سبل العيش الزراعية وتؤثر على إجمالي دخل الفرد السوري. إن اضطرار العديد من العمال الزراعيين إلى ترك مزارعهم والبحث عن فرص أكثر استقرارًا وربحية سيكون له عواقب بعيدة المدى. وسيكون الأمر الأكثر خطورة من بينها انهيار سلسلة الإنتاج الزراعي، التي تحتاج إلى سنوات لإعادة بنائها، يواجه القطاع الزراعي السوري العديد من التهديدات، حيث تشير المؤشرات إلى مسار تنازلي في المستقبل المنظور.
تحديات القطاع الزراعي
وقد أدت الحرب إلى زيادة كبيرة في التكاليف الزراعية، مما زاد من صعوبة استرداد نفقات الإنتاج. واضطر العديد من المزارعين إلى التوقف عن أنشطتهم بسبب شبه استحالة تأمين مياه الري، خاصة في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. وفي حين لجأ بعض المزارعين إلى المولدات الكهربائية لتشغيل مضخات المياه، فقد أدركوا سريعًا أن هذا النهج لم يكن فعالًا من حيث التكلفة أو مستدامًا، نظرًا لندرة الوقود وارتفاع أسعاره في السنوات الأخيرة.
يواجه القطاع الزراعي السوري العديد من التهديدات، حيث تشير المؤشرات إلى مسار تنازلي في المستقبل المنظور.
وقد تعرضت الآلات الزراعية لأضرار جسيمة، وبسبب ارتفاع أسعار قطع الغيار، لم يعد المزارعون قادرين على تحمل تكاليف الصيانة. وشهدت ملكية الماشية أيضًا انخفاضًا كبيرًا عما كانت عليه في فترة ما قبل الحرب: 57 في المائة للأبقار، و52 في المائة للأغنام، و48 في المائة للماعز، و47 في المائة للدواجن. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية مع ارتفاع نسبة دخل الأسرة المخصصة لكسب العيش، في حين انخفض كل من دخل الأسرة وإنتاج الغذاء. وتتضاءل جاذبية القطاع الزراعي، ومع الخسائر الفادحة التي تكبدها خلال مواسم الجفاف، أصبح شراء السلع الأساسية والمتاجرة بها مصدر رزق أكثر قابلية للاستمرار.
ساهمت عدة عوامل في تدهور القطاع الزراعي والاقتصاد السوري ككل. ومن بين المؤسسات الحكومية، هناك نقص في السياسات الواضحة والرؤية الإدارية المتماسكة. وقد لعبت الإخفاقات الإدارية – بما في ذلك عدم القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب – دورًا في شل مؤسسات الدولة هذه.
خلال فترة الصراع الممتدة، أدت سلسلة من السياسات المالية غير المدروسة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير مقابل الدولار الأمريكي، لتصل إلى أدنى قيمة تاريخية لها . بالإضافة إلى ذلك، تراجعت احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية لدى مصرف سوريا المركزي بشكل حاد ، بسبب انقطاع إيرادات النقل البري والبحري والجوي، فضلًا عن توقف أنشطة التصدير التي كانت تشكل مصدرًا رئيسيًّا للنقد الأجنبي.
ونتيجة لذلك، توقف الكثير من النشاط الاقتصادي، وقامت الشركات المحلية بتحويل ممتلكاتها من الليرة السورية إلى عملات أجنبية وتهريبها إلى خارج البلاد. وقد أدى هذا الارتفاع في الطلب على العملات الأجنبية، إلى جانب زيادة المعروض من الليرة السورية، إلى انخفاض قيمتها.
ستتطلب إعادة بناء القطاع الزراعي السوري استثمارات كبيرة: وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، من المتوقع أن تتراوح التكلفة الأولية من 10.7 مليار دولار إلى 17.1 مليار دولار. على الرغم من التحسن الملحوظ في الوضع الأمني في البلاد مقارنة بعام 2015، والذي ساعد في استعادة وصول المزارعين إلى أراضيهم، إلا أن سوريا لاتزال بعيدة عن تحقيق مستويات ما قبل الحرب من الأمن الغذائي. ومما يثير القلق أن البيانات الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي تكشف أن أكثر من نصف سكان سوريا – حوالي 12.1 مليون شخص – ما زالوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وهذا يضع سوريا ضمن الدول الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
وتعرضت الزراعة السورية، كغيرها من القطاعات الاقتصادية الحيوية، لأضرار بالغة. وفي غياب حل دائم ومستدام للأزمة السياسية، فإن التعافي الكامل للأزمة سيظل بعيد المنال. وما يحتاجه هذا القطاع بشكل عاجل هو حل شامل يعيد الثقة في كل من الاقتصاد والمجتمع السوري. ومن شأن هذا الحل أن يشجع إعادة الاستثمار ويخلق بيئة محفزة للنمو الاقتصادي والتنمية.
عن موقع CARNEGIE ترجمة مركز الصحافة الاجتماعية بتصرف
I loved it as much as you’ll end it here. The sketch and writing are good, but you’re nervous about what comes next. Definitely come back because it’s pretty much always the same if you protect this walk.
Fantastic beat I would like to apprentice while you amend your site how may i subscribe for a blog website The account helped me a lot I was a little familiar of this your broadcast presented nice clear concept