ارتبطت العراضة الشامية بدمشق ارتباطا وثيقا، إذ لا يمكن الحديث عنها من دون الإشارة إلى الدمشقيين من أبناء الحارات القديمة وصفات الرجولة والشهامة.
وتعد العراضة الشامية تراثا مميزا، وأحد أشكال الفنون الشعبية التي يلازم مناسبات الفرح لدى أبناء دمشق، حيث تقام العراضات في الأعراس وافتتاح المحلات التجارية وغيرها.
لكن ظروف الحرب في سوريا ألقت ظلالها على هذا الطقس الشعبي، فقد نزح معظم سكان ريف دمشق إلى الشمال السوري، جراء التهجير القسري الذي فرضه النظام السوري على الأهالي، وحمل هؤلاء معهم عاداتهم وتقاليدهم إلى مكان إقامتهم الجديد، في حين افتقدت حارات دمشق وريفها هذا اللون المحبب في فترات الحرب والحصار التي عصفت بمدن ريف دمشق، وأصبحت من ذكريات الماضي.
في ريف حلب كان للعراضة موعد جديد للظهور في محيط اجتماعي لم يألف يوما هذه الفعاليات الفنية الاجتماعية، وكان يشاهدها في مسلسلات الدراما.
ورغم آلام الحرب التي تجمع السوريين القادمين من كل أنحاء سوريا إلى ريف حلب، فإن العراضة عادت بشكل أو بآخر على يد الدمشقيين النازحين قسرا.
تراث الفرح
في عفرين بريف حلب الشمالي، يجتهد أبو علي الدمشقي (30 عاما) مع أعضاء فرقته “شام العز” في تقديم العراضة الشامية في مناسبات الأهالي، وترتبط هذه العراضات دوما بالأعراس وافتتاح المحلات التجارية والخطوبة وعقد القران وفرح قدوم المولود الجديد.
وأبو علي ورث هذا اللون التراثي من أبيه كما يقول، إذ إن أباه كان يمتلك فرقة مميزة في دمشقـ وكان يشارك في عروضها منذ أن كان عمره 16، وكان يقوم بما يسمى الوصف ضمن العراضة، وهي عبارات مديح وإطراء لصاحب المناسبة مختارة بدقة وعناية.
يقول أبو علي متحدثا عن المراحل الأولى لفرقته، إنها نشأت في دمشق عام 2003 لتقديم العراضة في الأعراس والحفلات في الأحياء الشعبية والحارات القديمة، ثم أصبح الإقبال جيدا على فرقتنا، وتوسع نشاطها خارج دمشق لاستقبال الحجاج.
ومع اشتداد حدة المعارك والقصف اختفت العراضات في دمشق، وغابت أصوات المنشدين أمام أصوات المدافع والطائرات، قبل أن يجبر الآلاف من المدنيين على التهجير القسري نحو شمالي سوريا، وكان أبو علي من بينهم هو وأعضاء فرقته الذين فرقهم النزوح.
وبعد خروجه إلى ريف حلب بمدة وجيزة، نجح أبو علي في إعادة تجميع فرقته، لتطلق العراضات في شمالي سوريا، وتثبت حضورها مجددا.
عن هذه المرحلة يقول أبو علي “قمت بتجميع أصدقاء الماضي من خلال لم شمل الفرقة، وعمدت إلى جلب لباس الفرقة التقليدي من دمشق، وأصبح أعضاء الفرقة 12 شخصا بين راقصين ودقيق الطبل والمزهر، وعاودنا نشاطنا في ريف حلب”.
وعن أبرز العروض، يشير أبو علي إلى أن الرقصات المحببة للأهالي هنا هي رقصات السيف والترس الدمشقي العريقة، وتسمى أيضا الغزل بالسيف والترس.
ويعتقد أبو علي أن الأهالي لم يألفوا هذا اللون من الرقص الشعبي، لكن مع مرور الوقت أصبحوا يطلبون فرقتنا في الأفراح وافتتاح المحلات، ويتمنى الرجل الثلاثيني أن يعود يوما ما إلى “بلدته” دمشق، كما يقول، وتعود أيام العز القديمة التي مضت إلى فرقته.