هيأ النظام السوري الذي كان وراء المناخ الخصب لتعاظم نسبة الأمراض الجسدية والنفسية بين السوريين، بسبب حرصه على استهداف اماكن تجمع الأهالي، حيث كان السواد الأعظم من المرضى هم من المدنيين والأطفال.
وما ساهم في نمو وتفشي تلك الأمراض انهيار القطاع الصحي في كل من مناطق سيطرة النظام السوري وفصائل المعارضة على حد سواء، وتصاعد ازمة فقدان الأطباء ممن كانوا الشريحة الأكثر استهدافاً من قبل أفرع الأمن والمخابرات ومدفعية النظام، نتيجة قيامهم بواجبهم اتجاه المرضى المغضوب عليهم حكومياً.
رسمياً كشف مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة «رمضان محفوري» أمس خلال ورشة عمل حول الصحة النفسية والإعلام التي أقامتها وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الإعلام، عن وجود أكثر من 300 ألف شخص يحتاجون للاستشفاء من الأمراض النفسية في سوريا، يتلقى منهم 750 فقط العلاج.
وأشار «محفوري» إلى وجود 70 طبيباً مختصاً في الأمراض النفسية في سوريا، مضيفاً ان «هذا الرقم لم يتغير على الرغم من أن هناك 10 خريجين من الأطباء النفسيين في سوريا ولكن الأغلب يهاجر خارج القطر حيث يوجد أكثر من 500 طبيب نفسي سوري خارج القطر».
تحتاج المشافي النفسية في سوريا إلى 2000 طبيب مختص على اقل تقدير، حسب التصريحات الرسمية، وذلك نتيجة الارتفاع المتزايد لأعداد المرضى وهو سبب طبيعي لنتائج الحرب التي شنها بشار الأسد على الشعب السوري، حيث تتراوح النسبة الطبيعة للمرضى النفسيين في أي بلد ما بين 1 -2 %، بيد ان نسبة المرضى في مناطق سيطرة النظام السوري، ان صحت التصريحات الرسمية، فهي تتراوح ما بين 3 – 4 % من عدد السكان، فضلاً عن أولئك المرضى المتواجدين في مناطق سيطرة فصائل المعارضة ممن يصعب الوصول اليهم، لتسجيلهم ضمن الاحصائيات.
وأكد محفوري انه لا يوجد في وزارة الصحة سوى 19 طبيباً مختصاً في الأمراض النفسية، أما المؤسسات الصحية التابعة للتعليم العالي فلا يتجاوز العدد 4 أطباء وفي الخدمات الطبية والشرطة لا يزيد على طبيب واحد في كل جهة.
الدكتور محمد فراس الجنيدي وزير الصحة لدى الحكومة السورية المؤقتة لقوى الثورة والمعارضة السورية، اتهم في تصريح خاص لـ»القدس العربي»، النظام بالوقف وراء انتشار الأمراض النفسية في سوريا، جراء القصف بالحمم النارية على أحياء المدنيين، مضيفاً ان أكثر من 95 بالمئة من الحالات هي نتيجة الصواريخ والقنابل والرعب التي يقصفها النظام السوري على الأهالي.
وأضاف: ان سوريا تعاني من قبل اندلاع الثورة من نقص شديد في عدد الأطباء النفسيين، الأمر الذي انعكس أيضاً على الفترة الراهنة، حيث يوجد في المناطق المحررة طبيبين نفسيين فقط يعالجان المرضى ويقفان على الحالات النفسية التي أصيب بها المرضى نتيجة القصف والدمار وخسارة الأطراف او خسارة الأشخاص المقربين وغير ذلك.
وأكد ان عدد المرضى النفسيين حسب تصريحات النظام هو رقم مبالغ فيه، ويختلف الامر ما بين مريض نفسي او عقلي، او من يمرون بحالة نفسية نتيجة الأوضاع الراهنة، مشيراً إلى ان الظروف التي مرت على الشعب السوري و»التنازل ما بعد الصدمة والتكيف مع الواقع الجديد نتيجة الهجرة او القصف او فقد المعيل، او فقد الأطراف، والشلل، جميعها يولد حالات نفسية عند الكبار والصغار وهي أهم أسباب انتشار الأمراض النفسية العارضة التي ممكن ان تعالج وتتحسن مع الايام، وهي تختلف عن الأمراض العصبية والعقلية التي ممكن ان تكون نسبتها عالية.
وأضاف وزير الصحة انه يتعذر وجود أي إحصائية دقيقة للمرضى في المناطق المحررة، مشيراً إلى نوعين من المرضى، الأول مريض نفسي والآخر مريض عقلي، حيث يتواجد في منطقة اعزاز مركز طبي يقدم العلاج للمرضى النفسيين والعقليين، إضافة إلى بعض المراكز المنتشرة في أطمة على الحدود السورية التركية، وبعض المحافظات السورية.
وأكد ان نحو 15 مليون سوري قد هجروا خارج القطر ونسبة كبيرة منهم يعاني جراء الظروف التي مرت على الشعب السوري خلال سبع سنوات.
وأشار إلى وجود فريق طبي متخصص من الأطباء النفسيين، يدخلون عبر الأراضي التركية إلى مخيمات السوريين ويقف الأطباء على الحالات النفسية، في ظل تواصل المستمر مع المرضى عبر وسائل التواصل.
وكانت قد وجهت وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» بشأن القصف الممنهج الذي يقوم به النظام السوري وروسيا للمشافي والمرافق الطبية، والذي أدى إلى مقتل عدد كبير من الكوادر وتدمير المعدات والآليات والمباني وتوقف تلك المؤسسات عن العمل.
وأوضحت وزارة الصحة أنه منذ عام 2011 وحتى عام 2015، تم استهداف ما لا يقل عن 70 نقطة طبية واستشهاد 497 بين طبيب وممرض ومسعف، وأشارت الوزارة إلى أن هذه الأرقام زادت في عام 2016، حيث دُمر 286 نقطة طبية واستشهد 151 من الكوادر الطبية.
وأشارت الوزارة إلى أن عام 2017 وحتى الشهر الرابع منه شهد استهداف 32 نقطة طبية كان من ضمنها استهداف مشفى كفر تخاريم، الذي تمت إصابته بالصواريخ العنقودية والفراغية فجر امس.
وأكدت الوزارة أن المرافق الطبية بعيدة عن المقرات العسكرية وجبهات القتال، وخالية من العناصر المسلحة، كما أكدت أن تلك المرافق تقدم الخدمات الطبية لسكان المناطق المحررة بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرق.
هبة محمد
القدس العربي