تحيط الانتخابات النيابية في الأردن يوم غد الثلاثاء مخاوف عديدة من إمكان تكرار سيناريو عام 2007 والذي تعرّضت فيه العملية الديمقراطية يومها لنكسة معروفة كان المقصود منها إبعاد حركة «الإخوان المسلمين» عن مقاعد البرلمان.
منذ ذلك الحين جرت تحت جسر السياسة الأردنية مياه كثيرة وحصلت تغيّرات عربية هائلة وضعت المملكة في ظروف شديدة الخطورة، وكان حفاظ مؤسسات الحكم في الأردن على التوازنات السياسية المطلوبة لمنع امتداد النيران المشتعلة في الإقليم إلى البلاد إنجازاً كبيراً.
لا يعني هذا أن آثار الاحتقانات الإقليمية والمحلّية ومخاطرها قد زالت وأن قدرة مؤسسات الحكم في الأردن على مسك العصيّ من منتصفاتها وخلق التوازنات المعقّدة بين أطراف سياسية وعسكرية تخوض صراعات كيانيّة في المنطقة ستستمر إلى ما لا نهاية.
تحصين الأردن ومؤسساته الكيانية من المخاطر، الآنيّة والاستراتيجية، يحتاج إلى أكثر من القدرة على ممارسة التوازنات بين الأطراف العالمية والإقليمية، والواضح من الإشارات العديدة وخصوصاً من مؤسسة الملكيّة الأردنية أنها صارت بصدد مراجعة أكثر جرأة لقضايا الداخل المترابطة بالتأكيد مع قضايا الخارج، ورغم وجود تردّد وتشنج في بعض أوساط الحكم والمعارضة القومية واليسارية، فقد صار واضحا ضرورة إشراك التيار الإسلامي المعتدل الذي يمثّله «الإخوان المسلمون»، في مكافحة المخاطر المحدقة بالبلاد، ولعلّ الانتخابات المقبلة ستكون مقدمة لوقف محاولات الإقصاء ونزع الشرعيّة والتهميش التي مورست على هذا التيّار السياسي الوازن.
من الواضح على المستوى العربي، وخصوصاً في البلدان التي حصلت فيها ثورات شعبيّة وجود اشتغال عالميّ وإقليميّ على صنع تسويات يُخرج منها التيار الإرهابيّ الذي يمثّله تنظيما «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، وأن التيّارات الإسلامية الأخرى، هي إما ضمن مؤسسات الحكم، كما هو الحال في المغرب وتونس، أو هي ضمن القوى التي تحارب التنظيمين الإرهابيين وستكون ممثّلة بشكل أو آخر في مؤسسات الحكم الجديدة التي ستنبثق عن التسويات السياسية المقبلة، والتي تطبخ في كواليس السياسة العالمية مترافقة مع المعارك على الأرض والنفوذ والمرافق، في اليمن وسوريا وليبيا.
بعد علاقة سياسية حميمية امتدّت عقوداً، ونتيجة قرار السلطات إخراج الإخوان من المعادلة النيابية عام 2007 حصلت قطيعة هذا التيار مع السلطات الحاكمة في الأردن، وتبعتها محاولات مستمرة للتضييق عليهم وتهميشهم، ودعم ظهور نسخ معدّلة منهم، كما هو الأمر مع حزب «الوسط» وحركة «زمزم»، في محاولة لسحب بعض جماهير هذا التيّار ومنازعته على الشرعية، وكان ذلك نتيجة حسابات داخليّة أمنيّة وسياسية تحرس ما كرسته هذه القطيعة، وتعززها مخاوف السلطات من استقواء هذا التيّار بإنجازات الثورات العربية وصعود التيّار الإخواني فيها، وقد فاقم كل ذلك تشجيع بعض الجهات الإقليمية، وخصوصاً بعد استيلاء المؤسسة العسكرية في مصر على السلطة عام 2013، ومحاولات الحكومات المصرية تأجيج عناصر هذه الأزمة السياسية بين الأنظمة العربية والتيّار الإسلامي المعتدل.
إن الطريقة المثلى لخروج الأردن والمنطقة العربية من الاستعصاء الخطير الذي ولّده فشل الدولة الوطنية الحديثة وآليات الاستبداد المرعبة التي صنعتها والتي أنتجت تنظيمات التطرّف والإرهاب هي اعتماد أنظمة ديمقراطية، لا تستبعد أيّا من التيّارات السياسية التي تقبل العملية الانتخابية، وهذه هي الضمانة الحقيقية لمنع الاستقطابات السياسية الحادّة التي حطّمت العراق واليمن وسوريا وليبيا، كما أنها الضمانة للوصول إلى مجتمعات سويّة وعادلة تحترم مواطنيها وتسمح لنخبها وشعوبها بالسباق في معركة الحضارة والوصول إلى نظم عادلة اجتماعيا واقتصادياً وسياسياً.
القدس العربي