أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية للصحافيين في طهران وقف استخدام الطائرات الروسية لقاعدة نوجة في همدان غرب إيران لشن غارات في سوريا. الروس، حسب بهرام قاسمي «قد نفذوا المهمة وذهبوا الآن»، وأن استخدامهم مجددا للقاعدة يتوقف على «الوضع في المنطقة وعلى أخذ الإذن منا».
جاء هذا الإعلان بعد تصريحات حانقة لوزير الدفاع الإيراني حسين دهقان اعتبر فيها كشف موسكو لاستخدامها القاعدة الجوّية «فعلا استعراضيّا» وينم عن «عدم اكتراث».
تأجج الحساسية الإيرانية من استعراض الروس لكونهم «قوة عظمى ودولة ذات نفوذ ولأنهم فاعلون في القضايا الأمنية في المنطقة والعالم»، على حد وصف وزير الدفاع الإيراني، قد يعبّر عن مزاج القيادة الإيرانية في التركيز على الأمور العمليّة (قصف أعداء الحليفين في سوريا)، وكذلك عن رغبة في التكتّم على فعل يخلّ بالدستور الإيراني ويثير غضب القاعدة الجماهيرية للنظام (وهو ما عبّر عن نفسه من خلال اعتراضات نوّاب البرلمان).
غير أن انفعال وزير الدفاع وما تبعه من وقف سريع لاستخدام الروس للقاعدة الجوّية يظهر أيضاً في جوهره طبيعة الاختلافات بين الجهتين يرتبط، بداية، بموازين القوّة المختلّة لصالح الروس، وإذا كان قادة الجمهورية الإسلامية قابلين بهذه القسمة التي تضعهم في موقع أدنى من حليفهم عالميّا، فإنهم، من جهة أخرى، غير قادرين (على الأقل أمام شعبهم وممثليه في البرلمان) على بلع الغطرسة التي تميّز الروس في التعامل معهم لا كحليف ولكن كتابع.
تظهر الحادثة أيضاً الحدود الممكنة لحلف بين بلدين بينهما تاريخ طويل جدّاً من المنازعات الحربيّة على المجال الجغرافي الحيويّ للأمتين (القوقاز وجورجيا) انتهت خلال القرن التاسع عشر إلى سيطرة روسيا على شمال إيران، وقد تبعها لاحقا غزو «سوفييتي» خلال الحرب العالمية الثانية (وآخر إنكليزي عبر العراق) انتهى بالسيطرة على مجمل الأراضي الإيرانية، وانتهت هذه المرحلة لاحقاً بانسحاب الطرفين عام 1946 بعد حصول الاتحاد السوفييتي على تنازلات تتعلّق بإمدادات ثابتة من النفط.
جرّ إعلان الروس استخدامهم للقاعدة الجوّية الإيرانية مقارنات سريعة مع حكومتهم غير المعلنة في قاعدة حميميم السوريّة التي صارت تعبيراً عن النفوذ الروسيّ الكبير في الشأن السوريّ، وقد استتبع ذلك أيضاً إعلان الحكومة العراقيّة طلبها من مطاري إربيل والسليمانية في إقليم كردستان وقف الرحلات الجوّية للسماح للصواريخ والمقاتلات الروسية بالحركة باتجاه سوريا، بل إن الرئيس اليمني السابق علي صالح طالب الروس بتوسيع نفوذهم إلى بلاده «لمحاربة الإرهاب».
ما يقوله الاستعراض الروسيّ ضمناً هو أن الإمبراطورية الفارسية التي طالما تباهى بها قادة الجمهورية الإسلامية، صارت جزءاً من الإمبراطورية الروسية، وأن الروس ورثوا النفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن، وباستخدام المقارنات الآنفة مع سوريا، حوّل الروس إيران رمزيّاً من حليف إلى تابع.
يجب القول إن الروس ما كانوا قادرين على إخفاء وجودهم في قاعدة نوجة بهمدان لأن أمراً بهذا الحجم يحتاج لتفاهمات جوّية مع بلدان المنطقة (بدليل ما اتخذته الحكومة العراقية من إيقاف لرحلات طائراتها المدنية) وتنسيقا مع القوّات الجوّية الأمريكية في العراق وسوريا وتركيا، وبالتالي فإن الغضب الإيراني لا يتعلّق فقط بانعدام اللباقة الروسية والنزعة إلى الاستعراض بل يتعلّق بالحسابات الشديدة التغيّر كل يوم (كما حصل بين الأكراد والنظام السوري والحضور الصيني في دمشق)، وبالقلق من الرمال المتحرّكة التي تغرق فيها كل أطراف النزاع في المنطقة.
القدس العربي