” انطق الشهادة، كلنا سنموت “، “ماتوا قتلوهم”، “أنا ما طلعت من الغوطة أنا طالعوني”، بهذه الكلمات وتلك الدمعات يروي ” أحمد حمادة ” قصة نجاته من مجازر معتقلات النظام .
” قال لنا السجان معن “أنا ملك الموت، بل أنا ربكم، سآخذكم إن شئت أميتكم، وإن شئت أحييكم “، كنا خمسة أنا، وائل، فواز، محمود، وغسان أخذونا لتلك العبّارة التي كانت نقطة دفاعية لفرع حرستا، استقبلونا بالتعذيب حتى الصباح، ثم جاء “معن” آمراً “تشتغلوا تعيشوا ما تشتغلوا تموتوا” .
كان عملنا أن نحفر ونملأ الأكياس بالتراب لتشييد الحواجز،
وفي ثالث يوم من العمل الشاق طلب وائل من المقدم أن يرتاح قليلاً.
_المقدم “مين بده يريح”
_فأجابه غسان ووائل “أنا” .
أمر العساكر بفك قيدهما، ثم قال “أرحهما”، فقام العسكري بقتلهما رمياً بالرصاص، أخذوا الجثتين، و احضروا “عبد المعين” من دوما و”محمد” من زملكا، أنزلوهما من السيارة بالضرب والتعذيب بشتى الوسائل.
ويكمل أحمد حديثه المؤلم، “يضرب المقدم “عبد المعين” ويسأله من ربك فيشير عبد المعين بإصبعه ويقول الله، فيزيده ضرباً ويقول قل ربي بشار لأعفو عنك، فيردد عبد المعين “الله الله”، فأحضروا البارود، و أفرغوه على صدره، وكتبوا به كلمة بشار، وأشعلوها ناراً أكلت صدره حتى أوشكت أن تصل عظامه، ثم أحضروا أكياس النايلون وأذابوها على جروحه، بقي “عبد المعين” يصرخ ألماً “يا الله يا الله” حتى استشهد بعد 5 دقائق، في حين شلّت قدما “محمد” الرجل الستيني من هول المشهد وشدة الضرب، فربطوه من عنقه، وبدأوا بتعذيبه، وإهانته بالتبول ورمي الأوساخ عليه، وإجباره على تقليد صوت الكلاب رغماً عنه.
يكمل أحمد بعد دقيقة من الصمت وكأن غصة وقفت بحلقه تمنعه الحديث ” لم نكن قادرين على فعل أي شيء سوى المشاهدة بصمت وألم “، بعد أيام طلبنا من المقدم أن نأخذ محمد لنغسله من الأوساخ كي لا تؤذيهم رائحته التي عمت المكان، فسمح لنا، أخذناه ونحن نغسله، كنت أقول لمحمد “حاول تتشاهد لك انت رح تموت و أنا وكلنا رح نموت”، فقال لي “جوعان”، أحضرت له كسرة من الخبز اليابس بين الأوساخ فأكل لقمتين قبل أن يقيدوه من جديد.
عدنا للعمل فنادانا المقدم وسألنا “شو كنتوا تقولوا بالمظاهرات” فأجبته أنا ” كنت قول بدنا حرية “، فواز ” كنت أمشي معهم لا أقول شيء”، حتى وصل الدور لمحمود الذي قال دون خوف “كنت قول يلعن روحك يا حافظ”، فأمر المقدم بتقييده بدولاب تركس كبير وعليه أن يحمل الدولاب وأكياس التراب ويعمل مع الضرب والتعذيب.
وفي اليوم التالي أمر المقدم محمد أن يقلد صوت الكلاب فلم يقوى على النطق فأمر بفكه ونادى لمحمود، علمنا حينها أنهما سيلقيان حتفهما، التفت محمود إلينا لا يعرف ما يقول ربما كان يريد أن يوصينا بأطفاله، أو نوصل خبره لأهله، لكن مصيرنا كمصيره، وقال “سامحوني وادعوا لي” فواسيته بقولي ” ارحل ونحن لاحقون بك “.
ذرفت دموع أحمد لتحكي ألماً لم تستطع الكلمات إيضاحه وأكمل ” فكرت بالفرار تلك الليلة، حين كنت أراهم يطلقون النار باتجاه معين علمت أنه اتجاه مناطق الأحرار، اتفقت مع فواز ثم أخبرنا الباقي، ليلة 26 رمضان، كنا نحفر خندق كسرنا القيود وركضنا، وعند الخطوة الخامسة تقريباً، اكتشفوا أمرنا، فبدأ ضباط الحاجز وعساكره الستين يطلقون النار علينا، في حين ظن الأحرار أن النظام يقتحم عليهم بكثافة نارية، فبدأوا بإطلاق النار نحونا.
وصلت واثنين معي فقط، واتفقنا كيف نعرف عن أنفسنا، وبعدها سلمنا أنفسنا للأحرار، حيث نقلونا للمشفى، وعدت لسقبا ومشيت من ساحة الجمعية لساحة العيد وكانت ليلة القدر، فدخلت المسجد لأشعر بأمان فقدته منذ سنين.
بقلم : سدرة المنتهى