أثار اتفاق القوى الكبرى الجمعة في ميونيخ على خطة لوقف المعارك في سوريا تساؤلات بشأن إمكانية تنفيذه، بالتزامن مع تشبيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري هذا الاتفاق بأنه “حبر على ورق”.
وقلل مراقبون من قيمة الاتفاق الذي تم إقراره خلال لقاء عقدته المجموعة الدولية لدعم سوريا، لافتين إلى استحالة تنفيذه في ظل ضبابية بنوده، فضلا عن أنه يعطي الضوء الأخضر لروسيا لمواصلة عملياتها العسكرية ضد المدن التي يتمركز بها مقاتلون تابعون لداعش وخاصة النصرة والجماعات الإسلامية المتحالفة معها.
واتفقت القوى الكبرى الجمعة في ميونيخ (جنوب ألمانيا) على خطة لوقف المعارك خلال أسبوع وتعزيز جهود إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة.
إلا أن كيري حذر من أن “ما لدينا الآن هو حبر على ورق ونحتاج إلى أن نرى في الأيام المقبلة أفعالا على الأرض”. لكن الرئيس السوري بشار الأسد قال إن التفاوض و”مكافحة الإرهاب” مساران منفصلان.
وأبدى الأسد خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أجريت قبل ساعات من اتفاق ميونيخ، استعداده للتفاوض مع معارضيه و”مكافحة الإرهاب” في آن معا.
ورأى أنه “لا بد من مسارين في سوريا.. أولا التفاوض وثانيا ضرب الإرهابيين، والمسار الأول منفصل عن المسار الثاني”.
ومن الواضح أن الاتفاق جاء متماشيا مع ما تريده روسيا صاحبة الكلمة الأولى في النزاع، حيث ترك لها حرية الاستمرار في عمليات القصف الجوي على المناطق التي يوجد بها تنظيم داعش وجبهة النصرة، ما يعني آليا استمرار هجومها على حلب حيث تقول موسكو إن عملياتها تستهدف جبهة النصرة ومجموعات متطرفة متحالفة معها.
ولم يتضح كيف سيتم استثناء جبهة النصرة عمليا من الوقف الجزئي للقتال، حيث تقاتل تلك الجماعة ضمن صفوف جماعات معارضة أخرى في الكثير من جبهات القتال.
وإذا استمرت المعارك في حلب، فإن الأوضاع الإنسانية ستزداد سوءا، وأن حركة النزوح الجماعي في اتجاه الحدود التركية لن تتوقف، وبالنتيجة، فلن يستفيد المدنيون من هذا الاتفاق شيئا يذكر.
وأشار المراقبون إلى أن الدول 17 التي شاركت في اجتماع ميونيخ بحثت في ما يبدو عن إصدار موقف جماعي يهدف إلى التسويق الإعلامي ليس أكثر، وهو أمر يعكس بوضوح ضعف هامش المناورة لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية أمام روسيا التي كيفت عناصر الاتفاق وفق ما تريده، وفرضت نفسها طرفا أساسيا في لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق رغم أنها الطرف الرئيسي في الحرب.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن وقف إطلاق النار لا ينطبق على مكافحة داعش وجبهة النصرة.
وأكد لافروف أن هذه المفاوضات يجب أن تجرى “من دون مهل أو شروط مسبقة”.
وقال جوليان بارنز داسي الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن “جبهة النصرة ناشطة في حلب وعدة مجموعات مرتبطة بها. إنه ضوء أخضر أعطي للروس لمواصلة عملياتهم العسكرية والتظاهر باحترام الاتفاق”.
وأشار أليكسي ملاشينكو الخبير في مركز كارنيغي للدراسات في موسكو إلى أن “جميع أطراف النزاع في سوريا وجدت نفسها في طريق مسدود. وأدرك الجميع أن الأوان قد حان لوقف المعارك”.
وكان وزير الخارجية الأميركي أكثر وضوحا حين قال إن الاتفاق لا يعني وقفا لإطلاق النار، وإنما وقف العمليات القتالية، ما يعني الإقرار بأن الاتفاق هدفه ظرفي ولا يصلح أن يكون خطوة تمهيدية لبدء مفاوضات الحل السياسي الدائم.
واعتبر كيري أن “وقف إطلاق النار مرتبط بمتطلبات قانونية وإنما وقف العمليات القتالية أمر مختلف”، مبينا أن “وقف إطلاق النار يعني بشكل دائم وإنما وقف العمليات القتالية أو العدائية هو المصطلح المناسب”.
وأبدت المعارضة السورية تفاؤلا حذرا تجاه الاتفاق، لكنها أرجأت الموافقة في انتظار قبول الفصائل الميدانية بها.
وقال جورج صبرا عضو الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لمعارضة مؤتمر الرياض إن “مشروع إجراء هدنة مؤقتة من أجل وقف الأعمال العدائية سيدرس مع الفصائل المقاتلة على الأرض”.
ورحبت تركيا بالاتفاق في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه والناجم عن التحدي الروسي الذي نجح في ضرب التحكم التركي في الشريط الحدودي سواء بدعم الفصائل أو الدفع بالأسلحة والمقاتلين الأجانب لفائدة حلفائها، فضلا عن ضرب الوصاية التركية على مواقع التركمان.
العرب