أخذت الخلافات السياسية بين دولة قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر من جهة أخرى، بُعْدًا آخر طالَ الجانب الرياضي، ليتم حجب قنوات ومواقع شبكة “بي إن سبورت” في هذه البلدان الثلاثة التي تقاطع قطر، بالتوازي مع إطلاق مشروع ضخم يقوم على أساس إنشاء شبكة قنوات رياضية بهدف انتزاع حقوق البث المباشر للبطولات الدولية من الشبكة القطرية، وعرضها بالمجان أو بسعر رمزي داخل البلدان العربية.
وتحدث الإعلام السعودي عن عزم “هيئة الإعلام المرئي والمسموع” في المملكة تمويل مشروع القنوات الرياضية المقرر افتتاحها خلال شهرين بمبلغ يصل إلى سبعة مليارات دولار، وستحمل هذه القنوات اسم “بي بي أس” الرياضية، وسيكون بثها من داخل الأراضي السعودية.
تلك الأخبار وغيرها جعلت المشاهد العربي ينتظر خروج هذا المشروع إلى أرض الواقع بترقب شديد خصوصًا للذين يقطنون في المملكة السعودية ودولة الإمارات اللتين أوقفتا بث الشبكة القطرية داخل حدودها الجغرافية، ما سيحرم كثيرين من مشاهدة الدوريات الأوروبية لعامين متتاليين وهي الفترة التي تملك فيها “بي إن سبورت” حقوق بث أغلب البطولات الكبرى.
كل ذلك أدى لرسم العديد من علامات الاستفهام، فهل السعودية قادرة على إنشاء إمبراطورية توازي أو تفوق الشبكة القطرية؟ وهل ستنجح الحكومات المقاطعة في تعويض مشاهديها عن “بي إن سبورت” فعلاً ؟ والسؤال الآخر هو: هل تكفي فترة الشهرين لبث الدوريات الأوروبية التي تمتلك قطر حقوقها؟ وكيف يمكن أن تكون الشبكة المجانية وبنفس جودة تغطية الشبكة المدفوعة؟
حلمٌ وواقع
الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في المملكة العربية السعودية أصدرت بيانًا أكدت فيه وجود هدف وطني يتعدى المشاريع الشخصية، وهو افتتاح مدينة إعلامية سيتم إطلاقها في الأسابيع القليلة القادمة ضمن برنامج التحول الوطني 2020 .
وبحسب ما كشفه رئيس مجلس إدارة المدينة الإعلامية السعودية “مفلح الهفتاء” فإن العد التنازلي لإطلاق أضخم شبكة قنوات سعودية عربية رياضية باسم “بي بي اس سبورت” قد بدأ، حيث ستحصل على حقوق بث الدوريات في إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا، وتطمح لأن تكون أقوى مجموعة قنوات رياضية عربية قادرة على أن تضع حدًّا لسياسة الاحتكار في نقل البطولات العالمية.
لكن هذه الخطوة لن تخرج للنور بالسرعة التي يتصورها البعض ولن تكون بالسهولة المتوقعة، وهذا بإقرار الخبراء والإعلاميين السعوديين أنفسهم، إذ علق الإعلامي السعودي “وليد الفراج”على ما يتم تداوله مؤخراً حول استعداد السعودية لإطلاق شبكة قنوات رياضية لتكون بديلاً للشبكة القطرية بأن “إطلاق الشبكة الجديدة لن يُعلن عنه الآن، لأنه سيمر بمعارك قانونية دولية قد تستغرق الصيف كله، وتجهيز الشبكة يحتاج أشهر طويلة وخبرات دولية وعربية”.
وأضاف “الفراج” في في سلسلة تغريدات قائلاً “إنه عندما تقرر السعودية أن تُطلق مجموعة تلفزيونية رياضية دولية، فإنها لن تكون صورة من أي تجربة سابقة أو حالية”، وقال في تغريدة أخرى “أحترم طموح كثير من الأشخاص ليكونوا بديل بي إن القطرية، لكن مشروع المملكة أكبر من إمكانيات رجل أعمال أو مجموعة من المستثمرين، القصة كبيرة”.
لن يكون تجهيز شبكة القنوات الرياضية السعودية بالسهولة المتوقعة، فهو يحتاج لأشهر طويلة، ولخبرات دولية وعربية، كما أن إطلاق الشبكة يُفترض أن يمرّ بمعارك قانونية دولية.
معاهدة بكين تخدم الموقف السعودي
كما هو معلوم فإن “بي إن سبورت” تمتلك حقوق نقل الدوريات الخمس الكبرى (الإنجليزي والإسباني والإيطالي والألماني والفرنسي)، ودوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري أبطال آسيا ودوري أبطال أفريقيا للموسمين القادمين، إضافةً لنهائيات كأس العالم روسيا 2018 وقطر 2022، ونهائيات كأس آسيا القادمة في الإمارات، والنسختين القادمتين من أمم أفريقيا، وبالتأكيد لن تنتظر السعودية والإمارات كل هذه المدة حتى تتمكن من توفير خدمة مشاهدة المباريات ومتابعة البطولات لجماهيرها بعد أن قطعتها عنهم.
ولذلك لجأت الدولتان إلى ثغرة قانونية توفرها لهما معاهدة بكين لحقوق الملكية الفكرية، وتشير هذه المعاهدة العالمية إلى أحقية أية دولة عضوة في المنظمة العالمية للحقوق الفكرية، بالانتفاع بالبث المباشر لأي حدث رياضي أو سواه مقابل دفع تعويض مالي مناسب للجهة المالكة لحقوق البث.
ومن المعروف أيضًا أن الشبكة القطرية تملك حقوق البطولات التي سبق ذكرها في حيز جغرافي يسمى “مينا” وهي اختصار لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي أن السعودية والإمارات يكفيهما الخروج من هذه المنطقة الجغرافية لكي تتمكنا من شراء حقوق أي بطولة ترغبان بنقلها داخل أراضيهما، على غرار ما يحدث في دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران وتركيا، فهذه الدول تعتبر شرق أوسطية لكنها تملك حقوق البث داخل أراضيها بشكل مستقل ومن دون الحاجة لخدمة “بي أن سبورت”.
لجأت كل من السعودية والإمارات إلى ثغرة قانونية في معاهدة بكين، والتي تشير إلى أحقية أي دولة عضوة في المنظمة العالمية للحقوق الفكرية بالانتفاع بالبث المباشر لأي حدث رياضي مقابل دفع تعويض مالي للجهة المالكة لحقوق البث.
قدرات
ترى شبكة “الجزيرة”؛ الأخ الأكبر لقنوات “بي إن”، أن ما يجري ليس إلا “جعجعة من دون طحين”، وتوضح أن “بي إن سبورت مينا” هي جزء من شبكة قنوات منتشرة في جميع أنحاء العالم، وإضافة إلى العربية هناك “بي إن” الفرنسية والأمريكية والأسترالية والكندية والإسبانية، إضافة إلى وجود ستة مقرات رئيسة (الدوحة وهيوستن وباريس وبرشلونة وجاكرتا وإسطنبول) كما تبث بأكثر من عشر لغات.
ولهذا، وعلى حد قول الشبكة، فإن اتحادي كرة القدم الدولي “فيفا” والأوروبي “يويفا” واتحادات البطولات الكبرى، تمنح هذه الحقوق لـ”بي إن” ليس لأنها تدفع أكثر كما يتم الترويج، بل لأنها تمتلك بنى تحتية تقنية وبشرية واستديوهات على مستوى عال تنافس المؤسسات العالمية وتقدم المباريات في أبهى حلة.
وتشكك “الجزيرة” هنا في قدرة السعودية على القيام بما يلزم للانطلاق بمشروعها خلال فترة قصيرة، إذ أن قنوات “بي إن” لم تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من مكانة في يوم وليلة، بل استغرق ذلك منها عملاً وجهداً كبيراً طيلة أكثر من عشرة أعوام، إضافةً للأموال الطائلة التي دفعتها مقابل تكوين واستقطاب كوادر قوية وخبيرة قادرة على إدارة مثل هذه الشبكات.
تقول شبكة “الجزيرة” إن اتحادات كرة القدم في العالم تمنح حقوق نقل البطولات الكبرى لـ”بي إن سبورت” ليس لسبب مالي، بل لأنها تمتلك بنى تحتية تقنية وبشرية واستديوهات على مستوى عالٍ يساعد على تقديم المباريات بأبهى حلة.
هل المشاهد العربي مستفيد؟
في الوقت الحالي لا يمكننا معرفة وتحديد الشكل الذي ستظهر عليه شبكة القنوات السعودية، وهل هي بالفعل قادرة على تقديم الجودة ذاتها التي تقدمها الشبكة القطرية بالنظر إلى أنها ستكون مجانية أو بسعر رمزي، لكن تجارب المشاهد العربي مع قنوات عربية (سعودية وإماراتية) سابقة كانت تحتكر نقل الأحداث الرياضية لصالحها قبل انطلاق قنوات “بي إن” يجعله متخوف وغير راغب في تجربة جديدة على مبدأ المثل الشعبي الذي يقول “لا تجرب مجرب”.
ففي السابق كان على من يرغب بمشاهدة الدوري الإيطالي دفع مبلغ 300 دولار أمريكي لقنوات “أبو ظبي” الإماراتية المالكة لحقوق نقله في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ودفع مبلغ 500 دولار لمتابعة الدوري الإنجليزي والإسباني على شبكة “اي آر تي” السعودية يضاف إليها مبلغ 300 دولار لمشاهدة كأس العالم أو بطولة أمم أوروبا عند انطلاقها.
وفي وقتنا هذا يجب على المشاهد العربي دفع حوالي 26 دولار أمريكي دون سعر الجهاز اللاقط “ريسيفر” للاشتراك بقنوات “أبوظبي” الرياضية لكي يشاهد بطولتي كأس إسبانيا وكأس إيطاليا، بينما تتيح شبكة “بي إن سبورت” لمشتركيها متابعة الدوريات الخمس الكبرى ودوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري أبطال آسيا ودوري أبطال أفريقيا، مقابل ما يقارب الـ 170 دولار أمريكي فقط، مع توفير مشاهدة بطولات الـ “ماسترز” والـ “غراند سلام” للتنس العالمي، فضلاً عن الدوري الأمريكي لكرة السلة “NBA” وسباقات الـ “فورمولا وان” و الـ “موتو جي بي”، وغيرها الكثير من الرياضات العالمية.
وإذا ما افترضنا أن شبكة القنوات السعودية الجديدة ستقدم هذه البطولات مجانًا لمشاهديها، فهل هي قادرة على تقديم جودة التغطية والبث التلفزيوني التي تقدمها القنوات القطرية؟ وهل تستطيع دفع مليارات الدولارات مقابل شرائها لحقوق نقل البطولات التي تبثها “بي إن سبورت” دون أن تحصل على مقابل لها؟ ستحتاج الإجابة على هذه الأسئلة أشهرًا طويلة لنرى الخطوات التي ستقوم بها القنوات الجديدة، وردة فعل الشبكة القطرية على ذلك، فهي بالتأكيد لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد مشروعها الكبير يتبخر.
صدى الشام