تشهد السياسة الأمريكية تجاه سوريا تباينًا واضحًا بين التصريحات الدبلوماسية والقرارات العسكرية، مما يثير تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي في التعامل مع الملف السوري.
في ظل النفوذ الأمريكي العالمي، تترقب الأوساط الدولية الموقف الأمريكي، لكن التباين الحاصل في تصريحات المسؤولين الأمريكيين لم ينتج عنه موقف واضح يُبنى عليه.
آخر هذه التصريحات ما صدر عن الخارجية الأمريكية التي دعت إلى التهدئة ومراقبة الوضع على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ،تامي بروس،التي شددت على ضرورة التهدئة الفورية وحماية المدنيين، بعد تصاعد التوترات الأمنية في بعض المناطق السورية.
وفي السياق ذاته، أدانت الخارجية الأمريكية أعمال العنف والخطاب التحريضي ضد أفراد الطائفة الدرزية، مؤكدة أن الولايات المتحدة تراقب سلوك الحكومة السورية المؤقتة قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق برفع العقوبات أو تعديل السياسة تجاه دمشق.
كما أكدت أن واشنطن لن تتهاون في فرض العقوبات على النظام السوري، مشيرة إلى أن أي تغيير في السياسة سيعتمد على مدى التزام الحكومة السورية بالمعايير الدولية، خصوصًا فيما يتعلق بحقوق الإنسان والاستقرار الداخلي.
سبق موقف الخارجية الأمريكية تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ظهر أكثر تحفظًا تجاه الشأن السوري، حيث قال:
“نحن لسنا متورطين في سوريا، فلديهم فوضى خاصة بهم… لديهم ما يكفي من الفوضى هناك، ولا يحتاجون أن نكون متورطين في كل شيء.”
وأشار ترامب إلى أن سوريا ليست معركة واشنطن، وأن الولايات المتحدة يجب أن تركز على مصالحها الداخلية بدلًا من الانخراط في نزاعات خارجية.
كما شدد على أن واشنطن قد تسحب قواتها وفق التطورات الميدانية. ويتضح من هذه التصريحات أن الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى نهجًا دبلوماسيًا حذرًا، حيث تركز على الضغط السياسي والعقوبات دون الانخراط المباشر في النزاع، بينما يعكس موقف ترامب سياسة انعزالية تدعو إلى تقليل التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط.
التباين في المواقف يعكس التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تسعى الإدارة الحالية إلى إيجاد توازن بين وضع العقوبات ومراقبة الوضع الداخلي في سوريا، بينما يفضل ترامب الابتعاد عن النزاعات الخارجية والتركيز على القضايا الداخلية الأمريكية.
وهناك عوامل عديدة تؤثر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا منها:
انقسامات ضمن الكونغرس الأمريكي بين المشرعين حول مدى التدخل في سوريا، حيث يدعم البعض استمرارية العقوبات، بينما يطالب آخرون بتخفيفها لتحقيق تقدم دبلوماسي.
بعد الحروب الطويلة في الشرق الأوسط، هناك رفض شعبي لأي تدخل عسكري جديد، مما يضع قيودًا على قرارات الإدارة الأمريكية ويدفعها لنهج الإعلان عن سحب قواتها وتخفيف تواجدها ضمن سوريا مع إشارة واضحة لإمكانية سحبها بالكامل.
هناك أيضًا الضغوط الإقليمية والدولية على رأسها العلاقات مع موسكو سابقًا، واليوم مع تركيا التي تضغط على واشنطن فيما يتعلق بدعم القوات الكردية في شمال سوريا، وهو ملف حساس يؤثر على العلاقات الثنائية. بالإضافة كون الكيان الإسرائيلي المحتل يراقب الوضع عن كثب، ويضغط لضمان عدم الاستقرار وإضعاف سوريا.
السياسة الأمريكية تجاه سوريا غير واضحة المعالم، تتأرجح بين التحفظ العسكري والضغط السياسي ، ومع استمرار الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى السؤال مفتوحًا حول الاتجاه المستقبلي لواشنطن في التعامل مع الملف السوري.