كانت القوات الموالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد أمس على بعد 3 كم فقط من فصل الشارع الأخير المؤدي إلى خارج مدينة حلب و6 كم تفصل بين صفي وحدات الجيش السوري والمليشيات الشيعية للمقاتلين من العراق وأفغانستان تحت قيادة إيران التي تستكمل تطويق المدينة. المتمردون السوريون ومنظمات المساعدة تحاول أن تدخل إلى المدينة التي مايزال فيها 300 ألف شخص شاحنات المعونة من مقاطعة ادلب التي ما زال يسيطر عليها المتمردون، وذلك عن طريق الشارع الذي يتم قصفه.
“لماذا يتوقف النظام والروس الآن حيث توجد لهما فرصة للتغلب على المقاومة”، قال باسم الكويتي، مدير منظمة إعانة سوري الذي عاد في نهاية الأسبوع من مفاوضات وقف إطلاق النار التي فشلت في جنيف. “إن داعش لا يهمهم أبدا. قوات النظام تمر بجانب داعش وعن طريق مناطق يسيطر عليها داعش ولا يقاتلونهم”. بعد يومين من إعادة انتظام قوات النظام جددت الهجوم البري في محاولة لم تنجح لاحتلال قرية التمورة الموجودة شمال الشارع الذي يربط بين حلب وإدلب. مع ذلك يعتقد المتمردون أن المسألة هي مسألة ايام إلى أن يتم إحكام الطوق. معظم منظمات المتمردين توحدت في حركة قتال واحدة سميت باسم جيش حلب. وبالإضافة إلى جهات الإعانة يقومون بتوزيع الغذاء والوقود. وقد منع السكان الفارون من المدينة من أخذ المواد الغذائية.
وبسبب قصف طرق تهريب النفط لداعش فإن الوقود لا يصل إلى المدينة تقريبا. وتقوم المولدات بتوفير الكهرباء اربع ساعات في اليوم فقط. اشارة اخرى للحصار الآخذ في الاقتراب هي إغلاق آخر مكاتب تحويل الأموال الدولية حيث حصل السكان عن طريقها على الأموال من أقربائهم خارج سورية. آخر الصرافين تركوا المدينة التي كانت ذات يوم المركز الاقتصادي لسورية.
“السكان هنا خائفون جدا”، قال إسماعيل الحلبي وهو عضو في قوة الإنقاذ المدنية في حلب، “الخوذات البيضاء تخاف أن يحدث في حلب ما حدث في مضايا (المدينة في مقاطعة دمشق، التي فرضت عليها القوات السورية وحزب الله حصار تجويع من أجل إخضاع المتمردين)”.
تعتقد جهات الإعانة أن عدة عشرات آلاف الأشخاص قد تركوا المدينة في الاسبوع الماضي. ولكن في “حلب المحررة” الجانب الشرقي للمدينة، التي تخضع للمتمردين منذ 2012 ما زال هناك 300 ألف مواطن وحوالي 30 ألف مقاتل. بعضهم فقراء ولا يملكون السيارات من أجل السفر في الشارع المؤدي إلى إدلب أو يخافون خلال الشتاء الخروج من اجل ايجاد مخبأ في المنطقة الريفية في غرب المدينة. وهناك من يستطيعون الهرب لكنهم يخافون من الوضع في إدلب منذ أن أغلق الاتراك المعبر الحدودي هناك.
“توجد الآن جهود مشتركة لإدخال اكبر قدر من الغذاء إلى المدينة”، قال عبد حامد، وهو صحفي محلي من حلب. “يتم تعبئة مستودعات طوارئ وبإدارة عامة قبل فوات الأوان“.
في الأيام الاخيرة، رغم مطالب المجتمع الدولي لفتح المعبرين إلى شمال غرب سورية، فإن الحكومة التركية تستمر في الادعاء أنه لم يعد هناك متسع للاجئين فوق أراضيها. لقد سمحت بإدخال عشرات المرضى فقط. وبدل ذلك تقوم بإنشاء معسكرات لاجئين في الأراضي السورية قرب الحدود. ولا أحد يضمن للاجئين أن تكون هذه المعسكرات محصنة من هجمات النظام أو قصف الطائرات الحربية الروسية.
قصف الروس في الأسبوع الماضي معسكرات لاجئين قريبة من الحدود في اللاذقية. شمال حلب بالقرب من الحدود التركية توجد منطقة اخرى محاصرة في محيط مدينة عزاز. المتمردون في عزاز محاصرون من ثلاث جهات: من قوات النظام في الجنوب وداعش في الشرق والمليشيات الكردية التي تحظى الآن بدعم إيران وروسيا من الغرب.
“لا يمكن التصديق أن داعش والأكراد والنظام ينسقون بين بعضهم البعض”، قال حميد جواد وهو ناشط في احزاب المعارضة في مدينة تل الريفات في عزاز. “انهم لا يحاربون بعضهم البعض بل يحاربون فقط المقاومة والشعب السوري”. وحسب أقواله تبقى في تل الريفات 5 آلاف شخص من اصل 35 ألف وهم بالأساس أبناء عائلات المحاربين والشيوخ والمرضى الذين لا يستطيعون الهرب. “نحن نستمر في الدفاع عن القرية. ومن لديه امرأة وأولاد فيها يجب أن يبقى قويا ولا يهرب“.
هناك 100 ألف شخص غير قادرين على الهرب إلى داخل تركيا. معسكرات الخيام التي أقامها الاتراك لا تكفي للجميع والكثيرون يبقون في المناطق المكشوفة بالقرب من الحدود. وقد مات شخصان كبيران في السن بسبب البرد في ليلة الأحد. ويعتقد جمعة البكري، وهو وزير في حكومة المعارضة السورية الموجودة في تركيا، أن سكان منطقة عزاز وحلب البالغين 400 ألف شخص قد يذهبون سيرا على الأقدام باتجاه الحدود إذا استمر القصف من قبل روسيا والنظام.
“يقيم الأتراك معسكرات في منطقة الحدود، لكن لا أحد يضمن عدم قصف هذه المعسكرات. نحن نطلب من المجتمع الدولي منذ بداية الحرب أن يمنع الطيران قرب الحدود كي يستطيع اللاجئون إيجاد المخبأ الآمن، لكن المجتمع الدولي يرفض وقد تخلى العالم عن الشعب السوري”، قال البكري.
يسعى المتمردون إلى تحقيق إنجازات رمزية. منظمتان هما جيش الإسلام وأحرار الشام، قصفتا أمس بصواريخ غراد منطقة قرداحة وهي مسقط رأس والد الرئيس السوري، حافظ الأسد. صور القصف الرمزي لعائلة النظام أسعدت المتمردين في الشبكات الاجتماعية، لكن هذا القصف لا معنى له في الجانب العسكري الذي هو ليس في صالح المتمردين.
يحاول رجال داعش الحصول على التأييد من الكارثة التي ستحدث لسكان حلب وعزاز. أحد متحدثي داعش، ريان مشعل، نشر أمس في الفيس بوك دعوة لسكان المنطقة – “وافقوا على الاقتراح الاخير للشيخ العدناني وعندها ستأتي الدولة الاسلامية إلى مناطقكم وتدافع عنكم وتقودكم حسب قوانين الشريعة، وتقفون معنا ونقف معكم. وإلا فإن مدنكم وأراضيكم ونساءكم ستسقط في أيدي الشيعة والعلويين وستفقدون حياتكم في هذا العالم والعالم القادم“.
مركز الشرق العربي