رحل الأديب السوري المخضرم شوقي بغدادي عن 94 عامًا، نعته وزارة الثقافة بحكومة النظام السوري اليوم وربما على مضض، فللأديب موقف من نظام الحكم في سوريا، فوصف حكم الأسد بأنه “مخيف ، وأن الثورة كسرت جدار الخوف”، له أعمال أدبية كثيرة، واهتمام بالأدباء الشباب وتحفيزهم، رحل تاركًا وراءه إرثًا أدبيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا عميقًا لدى أدباء عصره في سوريا.
سيرته
في الساحل السوري ذي الطبيعة السكانية الداعمة للنظام السوري، ولد الأديب شوقي جمال بغدادي عام 1928 بمدينة بانياس التابعة لمحافظة طرطوس، لكنه ذلك لم يدفعه كقلة من سكان تلك المناطق لأن يكون حليفًا للنظام الناصري بداية، والسوري ثانيًا. أكمل تعليمه الابتدائي في طرابلس لبنان منذ عام 1934 ثم عاد إلى اللاذقية ليكمل تعليمه بين عامي 1939-1945. درس الثانوية بدمشق عام 1946 وتخرج من جامعتها بإجازتين في الأدب العربي والتربية. شكل شوقي ما يسمى برابطة الكتاب السوريين التي شارك في تأسيسها شخصيات سورية أدبية بارزة، كحنا مينة وحسيب ومواهب كيالي وصلاح دهني، وفاتح المدرس، وليان ديراني وشحادة الخوري وسعيد حورانية، ثم انتسب إليها كتاب لبنانيون ومصريون وعرب، لتتحول إلى رابطة الكتاب العرب ويصبح شوقي أول رئيس لها. أقام شوقي في لبنان حتى عام 1961، كما عمل مدرسًا في الجزائر حتى عام 1972. تفرّغ شوقي لكتاب القصة القصيرة والمسرحية وكان له مقال أسبوعي في الجرائد السوري ينقد الأحوال السياسية الاستبدادية والأدبية والوضع الاجتماعي الذي شكله النظام السوري.
شوقي المغضوب عليه لقصيدته “جمهورية الخوف”
لم ينفصل الشاعر المخضرم عن قضايا بلده. بقي في دمشق خلال العقد الأخير فقال” لا أدري لماذا سحرتني دمشق منذ مطلع العام 1946..، حضرت أول عيد عيد للجلاء بعد رحيل المستعمرين الفرنسيين، على ضفاف نهر صاخب، اسمه نهر بردى عند مدخل المدينة، أو في المكان المسمى الآن “جسر فيكتوريا”، شاهدتُ هناك مع معظم سكان المدينة الذين ذهبوا منذ الصباح الباكر إلى ذلك المكان العرضَ العسكري والشعبي الذي خلب ألبابنا ، وصار عيدنا الأكبر كل عام في السابع عشر من نيسان، كنت مجرد غلام صغير وإذا بي أمام مدينة عريقة كبيرة خارقة الحسن والجمال وعلى الأخص مدينتها القديمة بآثارها الجليلة وأزقتها الملتوية ومساجدها الواسعة العريقة وغوطتها التي تحيط بها كحزام أخضر على خصر عذراء فاتنة..
ويكمل ” عرفت حبي الأول، كانت زميلة لي في كلية الآداب اسمها مديحة، لم أستطع الزواج بها لأن وزيرًا خطفها منّي وأنا مشغول بتأسيس أول رابطة للكتاب السوريين والعرب في ذاك العهد، ثم أحببت فتاة أخرى اسمها إحسان لكن الموت خفطها منّي هذه المرة بالسل”.. وفي حديث صحفي في بيته نقلته القدس العربي، في يناير 2016. أشار الشاعر إنه بقي في دمشق ليموت فيها وقد بلغ الثمانين، وقد استوحى مما وقع من حرب دموية على الشعب السوري لعدد من قصائده في ملحق جريدة “السفير”اللبنانية، ووصف بإيحاء ما فعله النظام السوري بسوريا، بأنه أفظع مما فعله تيمورلنك فيها، ووضع عنوان قصائده المستوحاة بـ << جمهورية الخوف >> وقال أنه وضعها ” بعد انهيار الرعب في بلدي بعد نصف قرن تقريبًا من الحكم المخيف”. ويقول في مطلع قصيدته ” وقد جاء في القصيدة التي منحت الديوان عنوانها: سأعتذر الآن:
بعد فوات الأوان
أنا لم أجدد حقولي
ولم أتفق والزمان
وحين عشقت النساء وكنت صغيرًا
تركت حصاني
ولم أك ممن يجيدون ركب الحصان
كبرت على ظهر قافلة
صنعت شاعرًا ورمت آخر
فتخيلت عندئذ
أنني حامل الصولجان
كنت أزرع قمحا
وأحصد في مطلع الصيف حب الزؤان
فإذا عانقتني الصبايا
يخففن عني
شعرت بأن حصادي
مازال يكسب كل الرهان
بلى.. أتذكر جارتنا
كان فستانها واسعًا
فاختبأت هناك على بطنها
عندما دفشتني إليه غلامًا شقيًّا
وقد حضر الدركي المدجج فوق الحصان يفتش عني لأني كسرت الزجاج
فلم يرني وأنا غارق في مغار الأنوثة حيث وجدت الأمان
أو حين ولدت ضحكنا طويلًا على راكب الخيل
يسقط عن ظهرها
فوق وحل الهوان
سأعتذر الآن
أني ما زلت أرجو السطور
ويهرب مني الكلام الذي لا يقال
وليس له زمن أو مكان”..
يقول شوقي عن جمهورية الخوف : ماذا يصنع الشاعر حين يجد بلده تحترق بأكملها كما يحدث لوطن كان اسمه سوريا وتفتت لكانتونات، لا بد لهذا الشاعر من أن يصرخ أو يتأوه متوجعًا أو يخرس إذا ما ضيقوا عليه الخناق.
ووصف الخوف الذي يغرق فيه في سوريا كمظهر من حكم الاستبداد أو الحرب الأهلية.
يقول الشاعر إنه لم يتوقع ما حدث لسوريا وهو اليساري الذي زار أفخم سجون دمشق وقال “لم يبق من دمشق إلا الجامع الأموي والقصر الرئاسي الرابض فوق هضبة تطل على دمشق منذ خمسين عامًا وإلى الأبد.
اعتقل الشاعر الماركسي اليساري العتيق في عام 1959 في سجن المزة، خلال احداث الوحدة بين سوريا ومصر ، ونتيجة لمواقفه تجاه الحكم البعثي وتوقيعه بيان إعلان بيروت-دمشق في أيار 2006، غضب النظام عليه وحظر اسمه من الذكر أو الإتيان على شيء من أدبه وشعره في الإعلام الحكومي التابع للنظام ، ثم تجاوز عنه بعد مدة.
ماذا قال عن بوتين و روسيا؟
يصف شوقي اختيار بوتين زعيمًا لروسيا القيصرية بعد سقوط النزعة السوفياتية التي امتدت مئة عام ، فعندما اختفت النزعة القيصرية في ظل النزعة السوفياتية للشيوعية عادت القيصرية العائلية ليتزعم بوتين الكفاح ضد الرافضين للشيوعية وإبعاد الحكم السوفييت الديكتاتوري بثياب ديمقراطية ذات مزيج عريق في سلطته الكامنة نحو ميول روسية قديمة سماها بحدث له مزاج عريق في سلطة قيصرية. فروسيا تحارب بقوة للحفاظ على السمة القيصرية ذات التاريح المجيد الممتزج حداثيا وتريد زعامة أولى ضد نزعات أوربا الحالية في قيادة الأمم بحروب ذكاء خاص لقيادة الأمم، وذلك في مقال له نشرته بوابة الشرق الأوسط الجديدة في مارس العام الفائت.
من أعمال شوقي القصيدة الشهيرة “جمهورية الخوف”، و “أكثر من قلب واحد”، و”لكل حب قصة”، و”بين الوسادة والعناق”، و”ليلى بلا عشاق”، و”البحث عن دمشق” وغيرها الكثير. نعى الراحل اليوم المئات من الأدباء والمثقفين، وكتب منهم على جدارية حسابه على فيسبوك واقتبسوا من قصائده، معربين عن عميق حزنهم إثر رحيل قامة أدبية قد يعز مثيلها في سوريا.