“في بدايات تقلّب الأجواء وميلها للبرودة، ومع بدء استقبال فصل الشتاء، في بلدة حريتان التي لجأنا إليها، وكان زوجي قد أسّس عملاً له هناك، بدأ نظام الأسد قصفه للمدينة وتدميرها فوق رؤوس ساكنيها”، تقص “رحاب” قصة نزوحها القاسية.
تقول رحاب: ” بعدما تكرر قصف المدينة، و في يوم لا يقطع هدوءه إلا أصوات الطيران، وضربات الصواريخ، اصطحبنا بعض حاجاتنا لنذهب لمكان أكثر أمناً ، بينما يؤمن زوجي سيارة تنقلنا، سمعت دوي انفجار مرعب. لم أرَ إلاّ دخاناً وزجاجاً يتطاير، ضممت ابنتي بين ذراعيّ، إحساس الموت للوهلة الأولى مخيف، جلست انتظر قدوم زوجي لكنّ تأخره. أقلقني ذاك التأخر”.
نظرت رحاب إليّ بوجهٍ شاحبٍ لتكمل حكايتها: “أصيب زوجي بشظايا الصواريخ، ركضت لأرى ما حاله، فقدت صوابي، قال لي مطمئنا: “اطمئني. إصابة سطحية”. أخذه أصحابه يسعفونه، لأبقى وابنتي بين القصف والدمار”.
تلك الحظات مرّت علي كأنّها سنين، أصوات الطيران والبراميل والصواريخ من كل جانب، حالة من الهلع والانتظار. لا أدري نهايته. النجاة أم الموت. طرق بابنا، وإذ بصديق زوجي وزوجته يطلبان منا الخروج بسرعة. قلت لهم زوجي! كيف أذهب ولا أعلم ماذا حلّ به!!
حاولا إقناعي بأن زوجي أُسعف خارج المنطقة، ركبنا السّيارة والصّواريخ تنهال في كلّ مكان، بدا ذاك اليوم كالقيامةُ لا مفرّ، سرنا بين الدّمار لا نعلم أين ستكون وجهتنا”.
تكمل “رحاب”: كنّا نسير في الاتجاه المعاكس، ولطفا الله بنا، أنّنا انتبهنا لذلك وغيرنا اتجاه الطريق، وصلنا إحدى قرى إدلب منهكين، بعد يومٍ كامل. وجدت زوجي دخل إحدى مستشفيات إدلب، وأنهى عملية استخراج الشظايا هناك، ارتحت وسعدت به. نبدأنا معاً رحلة معاناة جديدة مع نزوح جديد”.
عاش الشعب السوري آلام الفقدان لكل شيء، عيون ملأها غبار القصف. عيون ملأتها دموع الفقد. عيون تنظر للمدى البعيد، تصرخ بصمتٍ يفضحه الدمع “متى أعود إلى أرضي وبيتي”.
فاطمة براء/قصة خبرية