إنجاز عسكري كبير حققته قوات المعارضة السورية بعد السيطرة على حي “الراموسة” المحصن والتمكن من فتح الطريق إلى داخل الأحياء المحاصرة في حلب، والنتيجة هي إعلان كسر طوق الحصار عن أحياء حلب الشرقية.
يعدّ هذا الإنجاز بمثابة مكسب حقيقي على الأرض خصوصا أن العديد من الخبراء العسكريين كانوا شككوا في قدرة قوات المعارضة على التقدم من الجهة الجنوبية الغربية للمدينة لعدة أسباب أهمها:
جزء كبير من قوات النظام والمليشيات “الأجنبية” الداعمة له تتحصن وترابط على هذه المواقع تحديدا وهي مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة التي تفوق ما يملك الثوار من ناحية القوة النارية والدقة في إصابة الأهداف.
انتشار واسع للثكنات والمواقع والكليات والمدارس العسكرية على شكل قوس يبدأ من الراموسة جنوبا وينتهي في حلب الجديدة شمالا, كالمدرسة المدفعية, والمدرسة الفنية الجوية, والأكاديمية العسكرية, وثكنة مدرسة الحكمة, وفرع الأمن العسكري ,ومدفعية جمعية الزهراء, تشكل جميعها سياجا عسكريا محصنا يعد خطا أولَ للدفاع عن الأحياء الغربية من حلب التي تسيطر عليها قوات النظام.
تضاريس المنطقة تحوي على مجموعة من التلال المدعمة والمحصنة بشكل قوي, كتلَّة المحروقات, وتلَّة أحد وتلَّة مؤتة وغيرها من التلال.
تفصل بين هذه التلال مساحات من الأراضي الزراعية, والأحراش المكشوفة والمرصودة جيدا من قبل قناصة النظام المنتشرين بالشكل الذي يضمن منع أي عمليات تسلل باتجاه هذه المواقع والثكنات.
الأعداد الكبيرة للمقاتلين التابعين لقوات النظام, إضافة إلى المليشيات المساندة له التي توصف “بالنخبة” من حيث التسليح والتجهيز والتدريب؛ نظرا لحساسية تلك المنطقة التي يعيرها النظام أهمية كبيرة منذ خمس سنوات وحتى الآن ويضع كامل ثقله العسكري في سبيل تحصينها والحفاظ عليها.
الغزارة النارية الكبيرة التي يستطيع النظام أن يسلِّطها على جميع الفصائل التي تحاول التسلل أو فتح ثغرة في تلك المنطقة, باستخدام سلاح المدفعية وراجمات الصواريخ, إضافة للمساندة الكبيرة من قبل سلاح الجو “الروسي والسوري” الذي يستطيع أن يطِّبق عليها خطة الأرض المحرقة مما يحول دون أي عملية تقدم عند خطوط التماس وما قبلها.
تضم هذه الأحياء أعداداً كبيرة من القاطنين والنازحين من المدنيين, مما يزرع الخوف والحذر في نفوس قوات المعارضة من أن يلجأ النظام إلى استخدامهم دروعا بشرية تحول دون إمكانية تقدم قوات المعارضة ولو بخطوة واحد اتجاه “حلب الغربية”.
الفترة الزمنية القصيرة التي تم اتخاذ قرار الهجوم فيه وفك الحصار من قبل الثوار وقوات المعارضة؛ لأن معارك من هذا النوع تحتاج إلى وقت طويل من التخطيط والإعداد المستمر، خصوصا أن معنويات قوات النظام مرتفعة بعد السيطرة على طريق الكاستيلو في حين أن قوات المعارضة لم تمتلك الوقت الكافي لامتصاص الصدمة الناتجة عن خسارتها الطريق المذكور.
لكن الأهم من كل ما تقدم هو أن النظام يثق تماما بعدم قدرة المعارضة بالتفكير في الدخول بمعركة شاملة على خطوط تماس واشتباك لمسافة تزيد عن عشرين كيلومتر؛ لأن المعارضة لا تستطيع مفاجأة النظام بالهجوم على أكثر مواقعه في المدينة تحصينا.
إذن فاجأت قوات المعارضة جميع الخبراء العسكريين وكسرت خطوط الدفاع الأولى في الجهة الجنوبية الغربية وتمكنت من السيطرة على أهم المواقع العسكرية فيها, إلّا أن تركيزهم انصب على السيطرة على المثلث الذي يربط بين خطوط إمداد المعارضة في الريف الجنوبي الغربي من جهة, وبين تخوم حي الحمدانية من جهة أخرى “الحي الرابع”, وكل من نقطة ارتباط أحياء الراموسة والعامرية وصلاح الدين “أرض الناصر” من جهة ثالثة, بالتالي تحقيق اللقاء بين قوات المعارضة القادمة من خارج المدينة مع قوات المعارضة المحاصرة في تلك الأحياء.. بالنتيجة فك الحصار المفروض على مدينة حلب وقلب الطاولة على رأس النظام بجعله في موقع أشبه أن يكون هو المحاصر داخل الأحياء الغربية وما يترتب عليها من صعوبة إيصال الإمدادات والدعم “اللوجيستي” على الأرض.
تدرك المعارضة جيدا أن هذه الخطوة غير كافية, ولابد من أن تقوم بتثبيت مكاسبها في تلك المواقع وتحصينها وذلك بالاستمرار في التقدم لداخل الأحياء المجاورة التي يسيطر عليها النظام لتوسيع دائرة نفوذها على الأرض؛ لذلك أعلنت المعارضة المسلحة كلا من أحياء الحمدانية و مشروع 3000 شقة وصلاح الدين منطقة عسكرية, في خطوة قرأها محللون عسكريون بأنها بادرة من قبل قوات المعارضة للتمهيد بدخول قواتها إلى تلك الأحياء التي يؤكد الخبراء أيضا أنها خطوة ليست بالبسيطة وقد تحتاج وقتا طويلا لأن المعركة فيها ستتحول إلى معركة حرب شوارع وعصابات وكر وفر بين الكتل والأبنية الكثيفة والمتلاصقة فيها.
وبعد فك الحصار عن أحياء حلب تتطلع فصائل المعارضة لاستعادة طريق الكاستيلو والسيطرة على مناطق جديدة داخل المدينة.. خطوة قادمة من المؤكد أنها ستحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل إلّا في حال تكرار سيناريو المفاجأة الكبيرة التي تتمثل بانهيار سريع لقوات النظام والمليشيات المساندة له كما حدث في كلية مدفعية “الراموسة”.
المركز الصفي السوري-فادي أبو الجود.