استغل غيث انشغال والدته بالمطبخ وهرع مسرعا إلى الشرفة منتظرا قدوم الثوار كما سمع من والده عندما كان يحدث جارهم أن جيش الفتح بدأ بمعركة حلب الكبرى بهدف فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، إذ وقف ينتظر قدومهم بفارغ الصبر إلا أن والدته شعرت بغيابه وصرخت له بغضب:” غيث تعال لجوه هلا بتضرب الطيارة”.
علق غيث وجميع الأهالي المحاصرين آمالهم على الثوار المتواجدين خارجها، بعد أن فرضت قوات النظام منذ شهر تقريبا طوقا عليهم بسيطرتها على طريق الكاستيلو والذي يعتبر ممر الإمداد الوحيد لتلك الأحياء في حلب، رغم أنهم خرجوا بعدة مظاهرات طالبوا المجتمع الدولي بالضغط على النظام لفك الحصار تخوفا من وقوع كارثة إنسانية ومجاعة فضلا عن تدهور القطاع الطبي إثر استهداف الطيران لمعظم المشافي الموجودة في المنطقة ونقص في المعدات واللوازم الطبية، إلا أنها كالعادة لم تلق آذانا صاغية فكان الحل العسكري خير منقذ لهم وسط الصمت الدولي المحكم.
جلس غيث برفقة عائلته في رواق البيت كونه المكان الأكثر أمانا بعد أن أمطرت طائرات النظام الحربية عشرات الصواريخ على الأحياء انتقاما لتقدم الثوار المتسارع في المنطقة، حيث استطاعوا السيطرة على بلدة العامرية، الجمعيات، المشرفة، تلة المحبة، تلة أحد، تلة مؤتة، مدرسة الحكمة، ومشروع 1070 شقة، كراج الراموسة، وكلية المدفعية، والفنية الجوية التي تعتبر آخر معاقل النظام في حي الراموسة.
وماهي إلا لحظات وبدأت المآذن تصدح بأصوات التكبيرات وكأنها ليلة عيد حلت عليهم بتمكن الثوار من فك الحصار بعد تحرير حي الراموسة بالكامل، لتنتهي بذلك معاناتهم بعد شهر من الألم والحرمان والتجويع، لم يستطع غيث أن يبقى مكانه لحظة سماعه أصوات الثوار تقترب من حيه فركض مسرعا وهو يردد بصوت عال:” شفتي أمي قلتلك الثوار مابيكذبوا، الثوار أصدق حدا بالدنيا، وفوا بوعدن وخلصونا من هالعصابة الي بدن يقهرونا ويجوعونا، هلا صار فيني أشتري الأكلات الي بحبا”.
شعور تعجز الكلمات عن وصفه وبالأخص بعد تخوف سكان تلك الأحياء من تكرار سيناريو مضايا من قتل وتجويع لسنوات، إلا أن الثوار أثبتوا العكس بتوحدهم وتلبيتهم نداء أهلها، ومن شدة فرح أم غيث خرجت برفقة جاراتها لتملأ زغاريد النصر أرجاء المكان، وغيث يجري وراءها ويقول لها:” ماما مو وعدتيني تعملي محشي ونطعمي الثوار منو”، فكانت دموعها إجابة بالرضا.
رغم كل الصور والفديوهات التي نشرت ووثقت تقدم الثوار وفكهم للحصار، إلا أن إعلام النظام يأبى الاستسلام والاعتراف بالهزيمة، وقاموا بقطع الطريق مبررين ذلك بحرصهم على سلامة المواطنين، وتوعدهم باسترجاع كافة النقاط التي خسروها في الساعات القليلة القادمة، لكنها في الواقع مجرد استعراض للعضلات لا أكثر وجل مايمكنهم فعله إلقاء الصواريخ والبراميل المتفجرة جوا بعد عجزهم عن المواجهة برا.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد