أيامٌ قليلة ويدخل فصل الشتاء، حاملاً معه أنواع فصول المعاناة الأليمة، على اللاجئين السوريين في أماكن الشتات، وذلك في ظل ضائقة اقتصادية وحياتية غير مسبوقة تعصف بهم.
يمر فصل الشتاء كعادته في السنوات السابقة، يزيد من آلام النازحين، تاركاً بصمته على أيادي الناس و حول عيونهم، التي ترتعش من وجع البرد، والذين يعيشون دون أدنى مقومات الحياة، لا أمل لهم بمجابهته إلا بدفء القلوب الرقيقة، التي تمد لهم يد المساعدة و تمسح عن وجوههم صقيع البرد.
ففي تركيا البلد الأكثر استضافة للسوريين، يأتي الشتاء بكامل أوجاعه في هذا البلد المعروف عنه، بتدني درجات الحرارة دون الصفر، وغزارة الأمطار والسيول، فضلاً عن طول فصل الشتاء، وغلاء وسائل التدفئة هذا العام بشكل غير مسبوق، مع ازدياد الوضع الاقتصادي وانخفاض مستوى المعيشة.
خالد (50 عاماً) يسكن مع زوجته وأولاده الثلاث وابنتيه في قونية المعروفة ببردها القارس، يقول: ” كل الشتويات يلي قضيناها هون، كنا ملحقين للأكل والحطب والفحم، أما السنة هاي بحسا من أوجع السنين علينا.. أيام بحس أنو نحنا ليش عايشين؟؟
ماحدا حاس فينا عم نبرد عم نجوع.. شو ماضل رحمة!
يكملُ كلامه: ” لسا مادخلنا الشتا وكيس الحطب ب 70 ليرة، يعني يومية العامل هون صارت بكيس فحم، طيب هدا مابدو يطعمي ولادو؟؟
خالد لديه طفلين يذهبان للمدرسة وقد أصبحا في الصف السادس.
يقول خالد: “السنة الماضية الولاد مارحوا عالمدرسة، كانوا يدرسو بالبيت مشان الكورونا، السنة فتحوا المدراس ومدرسة ولادي بعيدة عنا، بدا مشي نص ساعة، وماعندي قدرة أدفع أجرة الباص الن، ماني عرفان كيف رح يتحملو الروحة لحالن عالمدرسة، والجو الصبح يا مطر.. يا تلج.. يارب ارحمنا”
لم يكن خالد وعائلته هم الوحيدون، الذين يؤرقهم شتاء هذا العام مع شدة الغلاء، فحسين الذي يبعد مئات الكيلو مترات، يقيم في إحدى قرى إزمير.
يعمل بمزرعة للأبقار مع زوجته الحامل، والتي بقي شهران على موعد ولادتها، يقول: “هون عنا برد، عنا زمهرير هون، كلشي يتجمد الحجر والشج، ما بعرف أنا فرحان بس كتير خايف بنفس الوقت، مرتي رح تجيبلي ولد، أنا خايف كتير عليهن بهي الأيام، يلي ماعشت مثلها، بطلب من لله انو يرحمنا”
ويكمل قوله بحزم: “مستعد اشتغل ليل نهار، مشان شوفن دفيانين، مابدياهن يبردو أبداً”
ظروف قاسية هذا العام يعيشها السوريون، في ظل عدم وجود حل لمعاناتهم المريرة، والتي سيزيد طينها بلّة الشتاء الذي لا يستثنِ أحداً، يقف الآن على الأبواب، يحمل في طياته أصناف القهر والألم.
قصة خبرية/ طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع