تلك الشقوق في يدي مهند تحكي قصته المريرة مع (ليفة وسطل المازوت) ذلك الطفل ذو العشر سنوات، سرقت منه غبار الحرب وسنونها ملامحه البريئة، وطفولته العذبة النقية، فغدا جسمه نحيلا هزيلا، شاحب الوجه، خَشِن اليدين، رث الثياب.
يستيقظ باكراً في كل صباح ليذهب إلى سوق المازوت بدل المدرسة التي أصبحت خاوية على عروشها من الطلاب لأسباب وظروف قاهرة، فقد قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن عدد الأطفال الذين أثرت فيهم الحرب في سوريا زاد أكثر من ضعفين خلال العام الماضي وأضاف تقرير اليونيسف بأن آلاف الأطفال، فقدوا واجباتهم وأبسط حقوقهم وأن كثيراً من الأطفال فقدوا مدارسهم فاضطروا للذهاب إلى العمل أمثال مهند، فحوالي نسبة 60%من الأطفال في قريته توقفوا عن الدراسة في سبيل تأمين لقمة العيش.
فهو من الأطفال الذين قاسوا وكابدوا في سبيل تأمين مصروفه ومصروف أهله اليومي، وذلك من خلال قصده ذلك السوق، ليستجمع ما تبقى من المازوت أو رواسبه المتروكة في أرض السوق عن طريق صديقته الليفة التي تبقى ملازمة ليديه فترة ليست بقصيرة، ثم يذهب لبيعه لعله يجد بثمنه ما يسّد الرمق، وقت كان جمع المازوت أو لمّه من الأرض يرتبط بمدة من يستيقظ باكراً من الأطفال، فكان الذي يستيقظ أبكر يجمع أكثر من أصدقائه الآخرين، وكان غالباً ما تحصل شجارات ونزاعات بين الأولاد ويكون السبب في ذلك (على مين بدو يجمع أكتر من التاني) (ومين بدو يبيع قبل التاني).
والغريب في ذلك أنه لا أحد يلتفت إلى تلك الأمراض والآفات التي تُخلّفها تلك الظاهرة المنتشرة على نطاق واسع من الأرياف والقرى، مهند كان من الأطفال الذين وصل كل من التحسس والندب الصغيرة بعد أن غزت يديه إلى رأسه، مما أدى إلى حكة شديدة وأمراض أخرى كانت ستودي به، والسبب في ذلك كله استخدام هذه الليفة وجمعه المازوت من خلالها.
أكد العديد من الناس المحلين في السوق بأن هناك حالات اختناق كانت تُصيب الشُبّان والرجال، سببها روائح المازوت، فما بالكم بأطفال بعمر عشر سنوات؟!
ودعونا لا ننسى المجزرة التي حدثت في “قرية مهند” يوم ضرب الطيران الحربي الروسي سوق المازوت الذي غالباً ما يكون اجتماع الكثير الكثير من الأشخاص والأولاد بشكل خاص، ما أدى إلى مجازر مروعة، راح ضحيتها العديد من الناس الأبرياء الذين لا ذنب لهم.
(أم عبدو) كانت من النساء اللواتي فقدنّ فلذة كبدها، الابن والأخ وابن الأخ، تروي لنا تلك الحادثة بقلب يعتصر ألماً وقهراً وكيف أنها ركضت حافية وهي تدعو الله وتقول (يارب ما يكونوا ولادي هناك).. (يا رب يكونوا طالعين من السوق قبل الضربة )
السوق الذي أسمته “بالسوق المشؤوم”
الذي لم يُبقِ من أولادها غير الفتات والحطام، فقد تفحمّت جثثهم وأصبحت رماد.. فهم لم يموتوا فقط بل ماتوا حرقاً ولم يُعثر لهم على جثث.
أليس من حق مهند والأطفال أن يستبدلوا (بالسطل) حقيبة مدرسية، (وبالليفة) قلما ودفترا.
أليس من حقهم التوجه إلى أبسط حقوقهم وهو التعليم بدل التوجه إلى سوق المازوت، أما آن لهم أن ينعموا برعاية صحية تقيهم شر المازوت وآفاته؟!
كل هذه التساؤلات هي أسباب أساسية لمعاناة مهند وغيره من الأطفال السورين الذين لم يأخذوا ولو القليل من أبسط حقوقهم في ظل هذه الأزمة.
آلاء اليــاســيــن – المركز الصحفي السوري