ولما كانت تركيا ثاني أكبر مشتر للغاز الروسي بعد ألمانيا، إذ بلغت إمدادات عملاق الغاز الروسي “غازبروم” إلى السوق التركية 27 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2015، سيتيح “السيل التركي” لتركيا تغطية احتياجاتها المتزايدة وجني رسوم ترانزيت الغاز الروسي المورد إلى جنوب أوروبا. أما روسيا، فستتمكن من الحد من اعتمادها على أوكرانيا في نقل الغاز في ظل التوترات بين البلدين التي بلغت مرحلة المواجهة المسلحة غير المباشرة في منطقة دونباس.
وكانت موسكو تطمح أولاً إلى مد خط أنابيب الغاز “السيل الجنوبي” عبر قاع البحر الأسود إلى ميناء فارنا البلغاري، إلا أنه تعثر بشكل نهائي في أواخر عام 2014 وسط تصاعد الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الوضع في أوكرانيا، ليعلن بوتين خلال زيارته إلى تركيا عن وقف المشروع. وكانت أنقرة تبدو آنذاك وكأنها حليف جديد لروسيا في مجال الطاقة، إذ اتفق البلدان على مد “السيل التركي” عبر قاع البحر الأسود وإنشاء مجمع للغاز على الحدود التركية اليونانية لنقله إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
إلا أن “السيل التركي” واجه هو الآخر مجموعة من العقبات تمثلت في الخلافات حول أسعار الغاز الروسي والانتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا في العام الماضي. كما تم تقليص طاقته التمريرية من 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى 31.5 مليار، إلى أن تم تجميد المفاوضات بسبب أزمة إسقاط قاذفة “سوخوي-24”.
أما مجالات التعاون الأخرى بين روسيا وتركيا، فهي الصادرات الزراعية التركية إلى روسيا، والسياحة. إذ عادت المنتجعات التركية بسرعة تتصدر حجوزات السياح الروس بعد استئناف رحلات الطيران من روسيا إلى تركيا. كما عاد التعاون في قطاع البناء، ذلك أن روسيا تعتمد على الشركات التركية لإقامة المنشآت الخاصة بمونديال 2018 الذي ستستضيفه.
وبعد حادثة القاذفة الروسية، بات التعاون في كل هذه المجالات على المحك، ما كان سيضر بالبلدين على حد سواء. إلا أن اعتذار أردوغان عن الواقعة أسفر عن انفراج في العلاقات، ليبدأ تطبيعها بشكل تدريجي، كما دفعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في منتصف شهر يوليو/تموز الماضي، نحو مزيد من التقارب السياسي. وعقد بوتين وأردوغان لقاء خلال زيارة الأخير إلى مدينة سانت بطرسبورغ في أغسطس/آب الماضي، ولقاء آخر على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في الصين في بداية سبتمبر/أيلول الماضي.