” يا ليت أبي يعود للحياة لأقبل يديه وآخذ رضاه وأكون بارا بحقه وحق والدتي، لكنه رحل وترك بحياتي فراغا كبيرا، يغمرني الحنين لوجهه الطيب وابتسامته ومداعبته لي ولإخوتي، يحترق قلبي كلما أسمع أحد رفاقي ينادون “بابا” لماذا رحل وتركني؟ وعدته أن أتفوق وأكون من الناجحين”.
بكلماته البريئة وصوته المرتجف يرد اسماعيل ذو العشر سنوات على معلمته عندما كانت تعلمهم واجب احترام الوالدين وبرهما، إذ فقد والده بإحدى غارات طيران النظام عقب تحرير مدينة ادلب، لم يكن اسماعيل الطفل الوحيد الذي فقد والده بل هناك الآلاف غيره ممن هم يتيمو الأب أو الأم، ولاتوجد إحصائية ثابتة فأعدادهم تزداد بشكل يومي، ويعيشون بظروف صعبة لتزيدهم مشاعر الفقد والحرمان من جو العائلة أوجاعا ومعاناة.
ديمة طالبة جامعية من ريف ادلب أجبرت على ترك جامعتها في حمص بعد أن فقدت والديها وأحد إخوتها جراء برميل ألقته طائرات النظام فوق بيتهم، تقول والغصة تملأ قلبها:” كان حلم والدي أن أصبح صيدلانية ليرفعا رأسهما ويفتخرا بي، لكن حلمهما تبدد بعد أن فقدتهما وتركت جامعتي كي أعمل وأعيل إخوتي الصغار الذين لم يعوا بعد أنهم بدون أهل، ففي بعض الأحيان يناديني أخي الصغير ذو الأربع أعوام “ماما” من شدة تعلقه بي”.
وتضيف ديمة:” وهنا أتساءل في نفسي ماالذنب الذي اقترفناه أنا وهؤلاء الأطفال لنحرم من أبسط حقوقنا ألا وهو “العيش ضمن أسرة متحابة” والمضحك المبكي أننا ندرس هذا الحق من بين حقوق الطفل التي ينص عليها القانون السوري، ليكون الواقع نقيض ذلك!”.
خلفت الحرب العديد من المنظمات التي ترعى الأيتام وأبناء وبنات الشهداء وفق برامج مختلفة ابتداء من الدعم النفسي وتعزيز الثقة بالنفس، بالإضافة لرواتب شهرية لكن بنسب متفاوتة وذلك بحسب الدعم الذي يصلهم، ورغم تلك الجهود لاشيء يعوضهم عن حنان وعطف الأم والأب.
ويروي حسن ذو الأربعة عشرعاما قصته ودموعه فاضت من عينيه:” فقدت عائلتي كلها بالقصف الروسي الذي طال منزلنا في ريف حلب، ولجأت مع عمي إلى تركيا، وأجبرتني معاملته السيئة على ترك منزله والبحث عن عمل، وجدت صعوبة في البداية فلم يرض أحد بتشغيلي لصغر سني، إلى أن وجدت عملا بأحد المطاعم كون معظم زبائنه من السوريين وأستطيع التواصل معهم”.
ويضيف حسن:” عندما يعطيني أحد الزبائن بقشيشا، أو يتعاطف معي أحد أشعر بالذل، فأنا لست لقيطا ولا متشردا أنا ابن عائلة كريمة ولاذنب لي في لعبة الكبار التي حرمتني من كانوا وطنا لي قبل أن أفقد كل أوطاني”.
كبروا قبل أوانهم وأجبروا على التعايش مع واقع أليم لتكون طفولتهم بين طوابير توزيع الإعانات وحياة المخيمات، وشبابهم جحيم من التردد بين ترك الدراسة وإيجاد فرصة عمل، فكانوا ضحية أعطتهم الحرب لقب “أيتام” ليعيشوا حياتهم بدون عائلة بدون بيت ولا حتى دراسة والمجتمع الدولي يقف ساكنا بل جل مايقوم به دعم المنظمات المعنية بأمرهم والتي لاتغنيهم من شيء ولا تعيد لهم آباءهم وأمهاتهم.
المركز الصحفي السوري
سماح خالد