تشكّل الروابط الشيعية التي تعتمد عليها إيران خارجياً، تحدّياً كبيراً للأنظمة السنيّة الحاكمة في العالم العربيّ وخصوصاً دول الخليج، بعد أن تجاوز التحدي مجرد الاختلاف الديني، وآخرها ما بدا واضحاً في لبنان.
فقد أدى صعود الموجة الطائفيّة الإيرانية ضمن مشاريع تنافسية سياسية وعسكرية إلى توسيع نفوذها في العراق واليمن وسوريا وليس أخيراً في لبنان، ما أدى إلى إحداث حالة من التصادم بين دول الخليج وإيران.
ويعكس إعلان الداخلية اللبنانية، إلغاء السعودية منحة بمليار دولار كانت مخصصة لتسليح الجيش اللبناني، تكهنات بغضب الرياض من حالة الصداقة بين بيروت وطهران، خاصة بعد امتناع لبنان عن التصويت على قرار عربي وإسلامي للتضامن مع السعودية، في مواجهة الأعمال العدائية الإيرانية.
ودشن نشطاء مؤخراً على موقع “تويتر” وسماً باسم #لبنان_يمتنع_عن_التصويت؛ للتعبير عن الغضب من الموقف اللبناني الذي خضع لاعتبارات “طائفية” بسبب النفوذ القوي لحزب الله الموالي لطهران داخل الحكومة اللبنانية. وحصل الوسم على تفاعل كبير من نشطاء “تويتر”، في حين طالب مغردون سعوديون بمنع المساعدات السعودية عن لبنان.
– دعم إيراني للجيش
واستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، أمس في مكتبه بالوزارة، سفير إيران في لبنان محمد فتحعلي يرافقه الملحق العسكري بالسفارة، في زيارة قيل إنها للتهنئة بالأعياد المجيدة.
وجرى خلال اللقاء التداول في الأوضاع الراهنة والتطورات الحاصلة في ضوء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، كما تطرق البحث إلى موضوع العلاقات بين البلدين لا سيما في مجال دعم الجيش ومكافحة الإرهاب، في رسالة قد تكون بمثابة رد على قطع الدعم السعودي للجيش اللبناني.
ولدى انتهاء الزيارة قال السفير فتحعلي: “نحن نعتمد على توحيد صفوفنا في مكافحة الإرهاب التكفيري. للبنان وإيران دور في هذا المجال، وهي مستمرة في تعاونها لدعم الجيش اللبناني الشقيق بعد رفع العقوبات عنها”.
وقال الكاتب السعودي جميل الذيابي في مقال له: إن “لبنان بسبب بعض أبنائه، يشكل عالة على نفسه وعلى دول الخليج، خصوصاً السعودية التي دعمته ووقفت معه كثيراً، ولكنها لم تجد منه سوى الجحود والنكران وتسويق الأكاذيب واستثمار اللحظات الحرجة للطعن فيها”.
ويرى الذيابي، وهو رئيس تحرير صحيفة عكاظ السابق، أن “لبنان بات مستعمرة إيرانية تقف ضدنا ويتجاهل ساستها مواقفنا في الأزمات، وتصر أن تصبح خنجراً في الظهر، ويصمت أغلب أهلها ولا ينبسون بكلمة واحدة ضد أبواق تروج الأباطيل. لماذا نجامل بلاداً تؤيد جرائم نظام الأسد ويرتهن قرارها للخصم الإيراني، وتقدم النكران على رد الجميل”.
ووسط حالة التصعيد الدبلوماسي بين إيران والسعودية، تدور حرب في الميدان تقودها روسيا وطهران ومليشيات حزب الله إلى جانب النظام السوري، ضد فصائل المعارضة والمدنيين في سوريا، وسياسياً لا يُخفي الكثير من السياسيين اللبنانيين دعمهم للأسد.
– التحالف الإسلامي
ومن اللافت أن لبنان كانت إحدى الدول التي انضمت إلى التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت السعوديّة عن إنشائه في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2015، مستثنية إيران وسوريا والعراق، لكن ردود الفعل اللبنانية أظهرت السجال المشتعل في البلد الذي فشل أكثر من 30 مرة بانتخاب رئيس جديد للبلاد.
وما بين الولاء الكامل للسعودية أو العداء الأعمى لها، برزت تلك التناقضات؛ إذ بارك الخطوة تيار المستقبل (سني)، وسارع إلى رفضها،عدد من القوى الحليفة لإيران مثل حزب الله والتيّار الوطنيّ الحرّ.
ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، وصعود الدور القيادي للدين في الجمهورية التي أضافت إلى نفسها وصف “الإسلامية – الشيعية”، لم تكن مسألة التطور السياسي للمجموعات العرقية والدينية في طهران تأخذ هذا القدر من الاختلاف داخلياً، ليعكس مبدأ “تصدير الثورة” خطورة في علاقات إيران خارجياً أيضاً.
ويقول الكاتب الذيابي: “علينا أن نسأل أنفسنا ونتجرد من عواطفنا: ماذا استفادت الدول الخليجية من لبنان سوى الصداع والمشكلات وحلب الجيوب، والمقابل صفر مكعب!”.
– قنبلة سياسية
ولا يمكن للبنان أن يحتمل الهدوء لوقت طويل، وبالتأكيد ليس الهدوء السياسي. فقد انفجرت “قنبلة من العيار الثقيل” قبل أيام، في الساحة السياسية اللبنانية على يد سمير جعجع، رئيس حزب “القوات اللبنانية” الذي أعلن دعمه للجنرال السابق ميشال عون ليكون رئيساً للبلاد، بعد أن كان من داعمي تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري المعروف بوقوفه ضد نظام الأسد في سوريا.
في هذا السياق، نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية تحليلاً للوضع اللبناني وتداعيات قرار جعجع المحتملة على الملف السوري، والذي قد يمتد ليؤثر على الأزمة السعودية – الإيرانية.
فبحسب المحلل السياسي للصحيفة، تسبي بارئيل، فإن جعجع بذلك يكون قد انتقل “لمعسكر العدو” بالنسبة للسعودية وتيار المستقبل، والذي يضم الداعمين للنظام السوري وحزب الله، ومن ثم إيران.
الخليج أونلاين