(( ما زال جرح ذلك اليوم ينزف دما إلى الآن .. ))
كلمات نطقها أحمد ذلك الشاب الذي نجا من موت محتم أطبق على الجميع في يوم لا ليل له
في ال 28 /2/ 2015الموافق ليوم الخميس اقتحم الجيش ليلا قرية قرصايا بجبل الزاوية في ريف ادلب الجنوبي
لتنفيذ مهمة سرية قامت بها قوات الأمن المتواجدة في المنطقة بحق عائلة (( الحاج مصطفى)) لأسباب ودوافع مجهولة بالنسبة لهم .. راح ضحيتها 10 أشخاص من رجال ونساء.
يروي لنا أحمد ما جرى معهم بصوت مختنق ألما وحزنا ..
(( لم أكن أدري أن هذا آخر لقاء يجمعنا سوية، كنا نجلس بالقرب من المدفأة وكانت العائلة برمتها مجتمعة نتبادل الأحاديث ونحتسي الشاي، يعلو البيت أصوات ضحك والفرحة تغمرنا، فجأة يقرع جرس الباب هرعت أمي لتفتح الباب وإذا بأصوات من الخارج تقول نريد بعض الأوراق المهمة بعثنا زوج عمتكم من المحكمة، ولكن الحركة لم تكن طبيعية في الخارج، هناك شيء غير طبيعي يحدث، نظرنا من طرف النافذة وإذا بالجيش يطوق المكان ملتف حول بيتنا وبيت عمي المتصل معنا، كنا في ريبة من أمرنا.. لم تشأ أمي أن تفتح الباب وقالت لهم لا يوجد أحد في البيت.))
ينظر أحمد من نافذة البيت وعيناه شاردة تتذكر أحداث ذلك اليوم المشؤوم يتابع حديثه بنفس متقطع يملؤه التعب
(( كان أخي محمد أول ضحايا تلك المجزرة، كان قد خرج إلى بيت عمي مسرعا من السطح ليخبرهم بمجيء الجيش في حين كانت أمي لاتزال هي وأخوتي وأنا في مناورة مع الجيش إذ كان يريد اقتحام البيت.”
ويتابع:” هنا أمي كانت قد أيقظت إخوتي الصغار ونحن بدورنا تفرقنا على مداخل البيت لنمنع دخول الجيش وإذا بالجيش قد دخل البيت من طرف بيت عمي وسمعنا صوت إطلاق الرصاص ولم أعلم أنها اخترقت جسد أخي محمد ..))
يقف أحمد ليتابع حديثه بعد سحب نفس طويل من سيجارته.. يطفئها ليخرج أخرى، علها تطفأ نيران تلك الذكريات المحرقة.
(( حين سمعنا صوت الرصاص ركضنا باتجاه السطح أنا وأمي وأخي الأصغر وإذ بجندي من الجيش يتجه نحونا ..ما إن اقترب منا قمنا بضربه من الخلف والإطاحة به كان مختلا رائحة الخمر تفوح من جسده وعلى الفور قمنا بربطه وإغلاق فمه ورميه في أسفل الدرج، في هذه الأثناء كان دوي الرصاص مشتغلا في الأجواء فبعد مسكهم لأولاد عمي تمكن اثنين منهم بالفرار، واحد منهم استطاع الهرب والآخر وجد مقتولا في أرض الزيتون وهو يحاول النفاد من الجيش.”
لم يتمكن من اقتحام بيتنا حاول مرات عدة ولكنا قمنا بتحصين البيت ولهذا السبب توجه نحو بيت عمتي المجاور وقام بمهاجمته ليلا ليقوم بقتل زوج عمتي وأولاده الأربعة وزوجة ابنه وعمتي معهم أيضا بعد أن اجبروها على خلع مجوهراتها أخذ كل ما استطاع حمله .. كان يهدد النساء إما أن تصمتوا أو نقتلكم بالقرب من أزواجكم، كان من بينهم زوج أختي الذي بقي للصبح تقريبا ينزف ولم يستطع إسعافه أحد.))
وهنا يقف أحمد صامتا عاجزا عن الكلام يغمض عينيه ويأخذ نفسا عميقا وهو يمرر يداه المرتجفتان فوف رأسه لعله يخفف من صداعه المصحوب بالألم والحزن على ما قد جرى .. يرفع رأسه ويوجه نظراته لي ويتابع كلامه قائلا:
((على من سنبكي … على أخي أم على شقيق روحي ابن عمي أم على زوج أختي وعمتي وعائلتها التي أبيدت بالكامل ولم ينج منها سوى طفلة كانت في العاشرة من عمرها”.
بزغ الفجر ونحن نجمع شهداءنا من هنا وهناك تركوا خلفهم أمواتا على قيد الحياة… الكل مصعوق مذهول من هول ما حدث تداخلت الأحداث بنا وتداخلت مشاعرنا بعضها ببعض .. لم أكن أدري أي شعور ينتابني في ذلك الوقت الحزن والألم أم الحقد والثأر .. بعد رحيلهم عنا انقلبت حياتنا رأسا على عقب لا ليلنا ليل ولا صباحنا بصباح، كان همنا الأول والأخير أن ننتقم ونثأر لشهدائنا، التحقت في حينها بصفوف الثوار في قريتتا وبت أخوض المعارك زاهدا من الحياة أحاول الوصول لمن كان وراء مقتل عائلتي … سيأتي يوم ونعلم من كان السبب في ذلك.))
وقبل أن ينهي حديثه معنا، دخلت علينا حلا تلك الطفلة الصغيرة التي فقدت والدها في المجزرة، جلست في حضن عمها أحمد الذي تعهد برعايتها بعد استشهاد أبيها ومغادرة والدتها بقيت حلا وأخيها الأصغر وجملة من اليتامى يعيشون تحت كنف بيت جدهم .. جلست حلا في حضن عمها أحمد تعلو وجهها نظرات بريئة تنبض بالأمل تقول لنا مازلنا هنا …والحياة لم تنته بعد.
نور سالم – مجلة الحدث