هناك حقيقة يستشعرها ويؤمن بها “معظم العقلاء” ممن يتأملون في الأحداث التاريخية والسياسية المتتابعة خلال العقود أو ربما القرون الماضية ، وفى المقابل يعتبرها “البعض” محض أكاذيب ونوعاً من الدجل بسبب أن بعض دجاجلة السياسة والدين والإعلام والشعوذة استخدموها بسفاهة وحماقة لمصلحة الأنظمة الحاكمة التي ينتمون إليها .. وهناك “البعض الآخر” ممن لا يؤمنون بنظرية المؤامرة تماما فيتجاهلونها بالكلية.
وهذه الحقيقة هي أنه منذ عدة قرون أصبح من الواضح والجلي لكثير من الساسة والمفكرين والمثقفين في الشرق والغرب أن هناك “أيادي خفية” تتعمد أن ترسم مستقبل “العالم” وخاصة منطقة “الشرق الأوسط” لأسباب تاريخية وجغرافية ودينية ، لتعيد رسم خريطته السياسية والاجتماعية والاقتصادية كل مائة عام تقريباً ..
ومن المؤكد بأن تلك “الأيادي الخفية” لا يعلم كنهها أحد إلا ما ندر ، وكل ما يُنشر أو يُذاع هنا أو هناك ما هو إلا محض إفتراضات وتحليلات شخصية ، فتارة يقولون أنها “الماسونية” وتارة يقولون أنها “حروب الجيل الرابع” وتارة يقولون أنها “الإرهاب” وتارة أخرى يشطحون بسذاجة فيقولون أنها “مؤامرة كونية من سكان كواكب أخرى” .. ومع هذا فربما تكون بعض النتائج التى يتم التحذير منها صحيحة ولكن لا يقابلها تفسيرات مقنعة ..
ومن المؤكد أيضاً بأن القائمين على “أنظمة الحكم” في منطقة “الشرق الأوسط” وغيرها و”أجهزة مخابراتها” يعلمون جيداً هذه الحقيقة ، وربما أغلبهم يعلمون حقيقة كنه تلك “الأيادى الخفية” ولكنهم لا يستطيعون أن يبوحوا بكنهها ، وهذا يندرج تحت بند “التقاليد السياسية والأمنية” المُتعارف عليها دولياً !! ..
فخلال عدة قرون سقطت “الإمبراطورية الفرنسية” بإقطاعييها لتتحول “فرنسا” إلى “نظام حكم عسكري” ثم تعود “للنظام الإمبراطوري” ثم ترجع “للنظام العسكري” ثم تنتهي “للنظام المدني” الحالي، وفي كل مرة كان “النظام الحاكم” بها يرفع شعار “المؤامرة” قبيل سقوطه ويشير بأصبع الاتهام هنا وهناك لكنه لم ينطق ببنت شفه عن حقيقة تلك “الأيادي الخفية” التي تسببت عمداً في إسقاطه ..
وفي بدايات القرن العشرين سقطت أكبر إمبراطوريتين في العالم وهما “الإمبراطورية العثمانية التركية” و”الإمبراطورية الروسية” وحينها انبرى المثقفون والمفكرون والإعلاميون ورجال الدين التابعون لتلك الإمبراطوريتين برفع شعار “المؤامرة” وتوجيه الاتهام إلى “الماسونية العالمية” هذا اللهو الخفي والذى أصبح “شماعة” لأي فشل أو تقصير لكل “نظام سياسي فاشل وغبي” ، ولم يتم أيضاً الإفصاح حينها عن “الأيادي الخفية” الحقيقية والتي أدت إلى إنهيار هاتين الأمبراطوريتين ..
وخلال منتصف القرن العشرين سقطت ممالك وإمبراطوريات وأسر حاكمة وتشكلت أنظمة حكم أخرى غالبيتها كانت عسكرية الهوى والتوجه في الشرق الأوسط وأفريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية ، وأيضاً لم يبح من سقط بكنه تلك “الأيادي الخفية” التي تسببت في إسقاطه ..
وخلال العقود الماضية سقط “شاه إيران” وسقط “جعفر نميري” وسقط “صدام حسين” وسقط “مبارك” وسقط “القذافي” وسقط “غيرهم” ، وبالرغم من أنهم سقطوا “سقوطاً مخزياً” من وجهة نظر غالبية شعوبهم لكنهم لم يوجهوا سهام اتهامهم لمن ورطهم فأسقطهم ، ولكنهم وجهوها لـ”عدو وهمي” هم من صنعوه .. حتى “القذافى” صاحب الشهرة العالمية والتاريخية فى إفشاء الأسرار صمت للأبد !! ..
وبرغم أن تلك “الأيادي الخفية” لا يعلمها أحد من “عامة الناس” ومن يعلمها من “علية الساسة والعسكريين” لا يستطيع أن يبوح بكنهها ولكن “رائحة أثارها” دائماً تفوح بعد كل سقوط بما يمكن أن نتأمل فيه وندرسه ونعرف منه كيف تفكر عقول تلك “الأيادي الخفية” وكيف تخطط ..
وأول ملاحظة هامة يمكن أن يكتشفها “الفاحص المتأمل” بسهولة من آثار تلك “الأيادى الخفية” أنها دائماً تعتمد على تواريخ محددة للبدء في تنفيذ أي مخطط لهم وفي تواريخ محددة في إنهائه .. وأيضاً من الواضح أنهم يقدسون علم الأرقام ويعتمدون على إشارات واستنتاجات حسابية وتاريخية معينة لتحديد وقت البدء ووقت الانتهاء ووقت إعادة المحاولة إن فشلت المحاولة الأولى ..
ومن خلال بحثي فى علم الأرقام والتواريخ ومطابقته على الأحداث السياسية والاجتماعية التي وقعت خلال الأربعة قرون الماضية في “العالم” وخلال القرنين الماضيين في منطقة “الشرق الأوسط” اكتشفت بأن عام 2017 هو عام بدء السقوط لكافة “الأنظمة الحاكمة” في “الشرق الأوسط” إن كانت “مدنية أو عسكرية أو حتى ملكية” ، وأن عام 2020 أو 2021 هو عام الانتهاء .. وخلال تلك الفترة ستنتقل كل المنطقة وشعوبها إلى “مرحلة الفوضى” والتفتيت لدويلات أقل حجماً وأضعف قوة ..
“وسوف أكتب مقالا منفصل لشرح هذا البحث بتفاصيله” .. وللعلم فأنا أتحدث عن “أنظمة” ولا أتحدث عن “حكام” ..
وبالتأكيد سيتبادر سؤال هام إلى الذهن إن كان استنتاجي هذا صحيحاً ، لأنه برغم قناعتي بالنتيجة ولكنني أتمنى وأحلم من داخلي أن أكون مخطئة وأن يكون إستنتاجي خاطئاً ..
والسؤال هو : ما هو “الحل” .. أو ما هو “البديل” لعدم “السقوط” والدخول فى هذا “النفق المُظلم” ؟؟ ..
ولكن قبل أن أجيب على هذا السؤال يجب أن أقص على القارئ واقعتين هامتين ثابتتين في ذهنى ولن أنساهما أبد الدهر لأنهما يعتبران تمهيداً للإجابة على السؤال المطروح :
– الواقعة الأولى : في فبراير 2011 عندما ألقى “مبارك” خطابه الأخير والذي اختزله الكل كعادة “غالبية الشعب المصري” في عبارة “أنا أو الفوضى” ، فمعارضوه اعتبروا هذه العبارة تهديداً منه لهم ، ومناصروه اعتبروها توقعاً منه لما سيحدث محلياً، لكن لم ينتبه أحد للرسائل التى حاول “مبارك” أن يرسلها لشعبه، فهو ظن حينها أن شعبه يمكن أن تصل “درجة وعيه” ليفهم ما بين سطور كلماته ، ولكنه بالتأكيد قد نسي ربما لضعف ذاكرته بسبب “الشيخوخة” أنه هو نفسه من دمر “وعي شعبه” على مدار ثلاثة عقود .. !! ..
و”مبارك” في هذا الموقف التاريخي ذكرني بـ”الرجل المسن” الذي كان يحتضر ومن حوله “أبناءه وأحفاده” جالسون ينتظرون أن يقول لهم شيئاً هاماً ، وأكتشف فجأة وهو على هذه الحالة بأنه قد ضل وأضل وخدع “كل أبنائه وأحفاده” طيلة سنوات تربيته لهم ، وحاول أن يخبرهم بتلك الحقيقة وهو يحتضر وأن هناك “مخاطر” ستواجههم من “عدو خفي” ، ولكنه عجز عن فعل هذا ، ولم يقل لهم غير أن أحد “البراغيث” يحاول أن يمص دمه ..
و”مبارك” نفسه حاول في هذا الخطاب أن يوجه أصابع إتهامه إلى “جماعة الإخوان” ولبقايا “اليسار المصري” ولم يتحدث صراحة عمن تسبب في إسقاطه تمهيداً لإسقاط “النظام” ككل ، وهذا برغم أنه طيلة فترة حكمه لم يكره أو يعادي غالبية معارضيه لا من “جماعة الإخوان” أو من “بقايا اليسار” أو من “باقي معارضيه” ، ولكن الوضع كان عبارة عن صراع بين كافة الأطراف على مكاسب سياسية وشعبية محلية ليس أكثر ، ثم تطور الوضع للصراع على إرضاء “الأيادي الخفية” دولياً ..
بالإضافة إلى أن ما بين ثنايا وسطور خطابه كان موجهاً للجميع بما فيهم أعضاء “جماعة الإخوان” وليس لفصائل محددة .. وأيضاً “مبارك” لم يكن يكره “البرادعي” أو مؤيديه ، ولكنه كان يكره شخصاً واحداً فقط وكان هذا الشخص هو أكثر شخص يخشاه “مبارك” ونظامه !! ..
– الواقعة الثانية : قبيل إسقاط حكم “جماعة الإخوان” بحوالي شهر استضافت إحدى القنوات الفضائية التابعة لإحدى “الأجهزة الأمنية المصرية” هذا الشخص الذى كان يكرهه “مبارك” ونظامه ويخشونه وقال له مقدم البرنامج بنبرة “متوسلة” : “لقد تسببت في وصول “جماعة الإخوان” لكرسي الحكم ونطلب منك كما تسببت في وصولهم لكرسي الحكم أن يتم إزاحتهم عنه ؟؟ !!” .. فرد عليه هذا الشخص بكلمة واحدة فقط وبنبرة الواثق من نفسه : “حاضر” .. !! .. وهذه الكلمة كانت “الضوء الأخضر” والذي أعطى إشارة البدء لنجاح “30 يونيو” !! ..
هل تعلمون من هو هذا الشخص الذي كان يكرهه نظام “مبارك” وفي نفس الوقت يخشاه ، وأيضاً يكرهه “النظام المصري الحالي” وفي نفس الوقت يخشاه ؟؟ !! .. إنه عالم الاجتماع الأمريكي المصري “سعد الدين إبراهيم” أحد أذناب “الأيادي الخفية” في “مصر” .. !! .. وللعلم فكل دولة في “المنطقة” يوجد بها نسخ من هذا “الشخص” !! ..
وربما لا يعلم الكثير أن “سعد الدين إبراهيم” هو “المصري الوحيد” الذي عندما حاول نظام “مبارك” كعادته أن يلعب معه بـ”فزاعة الترهيب القضائي” لترويضه في عام 2000 كأي “مواطن مصري” حتى ولو كان “مزدوج الجنسية” انتفضت “الأيادي الخفية” فقامت الدنيا ولم تقعد ، وهددت “الولايات المتحدة الأمريكية” حينها بإيقاف المساعدات الإضافية عن “مصر” ، حتى أن “إرييل شارون” رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ قام بتكليف “وزارة خارجيته” باستدعاء “القائم بالأعمال المصري” في “تل أبيب” وتحميله رسالة عاجلة “للحكومة المصرية” تُعرب فيها “إسرائيل” عن الصدمة التي مُنيت بها نتيجة صدور حكم قضائي بحبس الدكتور “سعد الدين إبراهيم” باعتبار الحكم انتهاكاً لحقوق الإنسان ، وربما تكون هذه هي المرة الأولى والوحيدة منذ إقامة علاقات بين “مصر” و”دولة الكيان الصهيوني” عام 1979 التي تحتج فيها إسرائيل على “شأن مصري داخلي” لا علاقة لها به ..
ومن بعد هذا الموقف وانتهاء القضية بدأ “نظام مبارك” في التعامل بحذر مع “سعد الدين إبراهيم” وتجنب الصدام معه بالأساليب التقليدية ..
والآن نعود لإجابة السؤال المطروح : “ما هو “الحل” .. أو ما هو “البديل” لعدم “السقوط” والدخول في هذا “النفق المُظلم” ؟؟” ..
الإجابة ببساطة هي أن من بيده مسؤولية الحل هم طرفا المعادلة : “الشعوب وأنظمة الحكم” .. فـ”الشعوب” مسؤوليتها أن تقف وراء “أنظمة حكمها” الوطنية وتساندها لأقصى درجة في هذه “المرحلة الحرجة والخطرة” على الجميع ، بشرط أن تكون هذه “الأنظمة” على قدر مسؤولية وقوف “شعوبها” خلفها .. و”أنظمة الحكم” مسؤوليتها أن تضع نصب أعينها أن منبع قوتها الحقيقية هو في حب “شعوبها” لها واصطفافها خلفها وليس في رضى “الأيادى الخفية” عنها ، لأن رضا “الأيادي الخفية” عن أي “نظام حكم” مهما بلغت سطوته لـ”شعب جائع وعاري ومريض وجاهل” لن ينقذ “عنقه” من “السقوط” !! ..
ولذا يجب على هذه “الأنظمة” وبسرعة أن تقوم بإصلاحات جدية تصب في المقام الأول في صالح شعوبها كلها وليس في صالح أفراد بعينهم ، وهذا ما يستلزم منها بأن تقوم باختيار “رجال أكفاء” للقيام بهذه المهمة ، وأن تركز على إعادة هيكلة “منظومة التعليم والصحة والعدالة الإجتماعية والإعلام” ، وقبل هذا كله يجب إعادة هيكلة “المنظومة السياسية المتهالكة” والتي عفا عليها الزمن ..
ويجب أن تتذكر كل “أنظمة الحكم” في “الشرق الأوسط” واقعة تاريخية هامة وذات عبرة وهي عندما وصل الحال بآخر حكام أسرة “بني أمية” الخليفة “مروان بن محمد” والشهير بـ “مروان الحمار” إلى أن “يتسول الحماية” الشخصية من “الرعية” ولم يجدها ، فسقط “رأسه” وسقطت “دولته” !! ..
فاستقيموا يرحمكم الله ،، ..
المركز الصحفي السوري – شيرين فريد