في مسألة عفرين

معتز نادر – العربي الجديد

مع طول زمن الثورة السورية، بتعقيداتها وتداعياتها الإقليمية، بدأت تتبلور نظرة في البيئة السورية على مستوى الجغرافيا السياسية، وكذلك على المستوى المناطقي، تفيد بابتعاد النظرة الجامعة بالنسبة للأكراد، وبالتالي تعريف فئات سياسية وشعبية عديدة لهم أنهم كيان كانتوني انفصالي، وليس مكونا أساسيا من مكونات المجتمع السوري المتنوع بطبيعته.
ويبدو القلق من هذه النقطة بدأ يأخذ شكلا عمليّا مع تفاقم الوضع العسكري في الشمال السوري، مع الدور العملياتي العسكري للقوات التركية والأميركية مع احتمالية بدء الأتراك بهجوم نوعي يستهدف منطقة عفرين، مستهدفا وحدات حماية الشعب الكردية، بهدف القضاء عليه، يأتي ذلك بالتزامن مع خطوات عسكرية أميركية بنشر آلاف المقاتلين المحليين على الحدود بين سورية وتركيا، ناهيك عن الوجود المسبق لقوات النظام السوري، رفقة حليفيه الشرسين، الروسي الإيراني.
وعلى الرغم من كل التشابكات الأمنية التي يشهدها، وسيشهدها الشمال السوري، فإن التخوف من هذه الوضعية المقبلة ربما لا يكمن وحسب في التخوّف من حجم الدمار الذي سيحصل في مناطق المدنيين، نتيجة تلك التدخلات الدولية بعتادها العسكري الثقيل لحساب تحقيق أجندة طرف على حساب الآخر، بذريعة الحفاظ على الأمن القومي لدولهم، ضاربين الأمن السوري المحلي (المهزوز أصلاً) بعرض الحائط، مع أن القلق من الدمار المٌزمع حدوثه كافٍ كي ُتعيد أطراف المعارضة السورية ترتيب أوراقها على أساس لم الشمل وليس التفرقة، مثلما تفعله الخطوات المحتملة للاعبين الدوليين والإقليميين.
ويكمن التخوّف الأساسي في محاولة تكريس النظرة السورية السورية بين المكّون الكردي وبقية المكونات الفاعلة بالثورة.
وهنا يترتب على عاتق التيار المعارض تبنّي نظرة معتدلة، مفادها بأن مدنيين أكرادا كثيرين في مناطق الشمال لا يتبنّون النزعة الإنفصالية التي يُتّهم الأكراد بها على الدوام، وعلى بقية السوريين ألا ينسوا المجلس الوطني الكردي، بوصفه كيانا معارضا بصيغته الجامعة، إضافة إلى نشطاء أكرادا عديدين معارضين سياسة وحدات حماية الشعب الكردية وأساليبها.
ولطالما نادت المعارضة السورية باعتبار المكون الكردي جزءا من النسيج السوري، وعليها أن تكرّس تلك القناعة، وألا تصمت حيال أي تجاوز يستهدف المدنيين الأكراد في عفرين، أو غيرها من المناطق، فيما لو نفذت تركيا تهديداتها، مع أن فكرة عدم حدوث ما يَضر المدنيين، تحديدا، يُعد أمراً مبالغا فيه في ظل صدام تركي أميركي بأيادي سوريّة وأجنبية.
النظرة العسكرية الأمنية التي تفرّق الآن لن تستطيع أن تجمع غداً، وهذا التساؤل سيكون حِكرا على المعارضة السورية في الإجابة عنه من خلال معرض موقفها من الأحداث المحتمل حدوثها شمال سورية. وفي حقيقة الأمر، يبدو مُهينا للسوريين بكل توجهاتهم وبرامجهم السياسية أن يشهدوا أمام أعينهم انهيار مدينة أو منطقة أخرى، نتيجة المخططات العسكرية من دول بات جليّا أنها، تستثمر الأزمة السورية أكثر من كونها تحاول إيجاد حل لها ولأزمتها الإنسانية المستعصية.
وبالنظر إلى التصريحات التركية التي تتفاقم يوما بعد يوم حول شن هجوم عسكري واسع على مدينة عفرين، فإن قيادات أكبر فصيلين كرديين في الشمال، جيش الثوار وجيش الأكراد، بالإضافة إلى قيادات أخرى، يرون أن التصريحات التركية لا تتعدى كونها تهديدات. وفي وقتٍ سيضطر فيه المهتم بالشأن السوري أن ينظر ببالغ القلق لمصير الهوية السورية أكثر من قبل، إذا ما دارت العمليات العسكرية شمال البلاد، وبإشراف دولي واسع، وذلك ليس لحل الأزمة بل لزيادة عبثيتها وطول أمدها.
وإذا كانت تركيا ترى أن وجود وحدات حماية الشعب يمثّل تهديدا يجب إزالته، فإن سوريين كثيرين يرون واقع وجود الأتراك قوة بديلة من شأنه تهديد أمنهم سوريين على المدى البعيد.
ويرى الموالي للانتفاضة السورية منذ نشأتها أن قبول مؤيدي النظام المجرم بالوجود العسكري الروسي والإيراني، وميلشياتهم على الأرض السوريّة، لا يعني بالضرورة تسليم المعارضة السياسية السورية قبول التدخلات العسكرية التركية والأميركية بطبيعة الحال.

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist