ياوز بيدار – العرب
تمضي العملية السياسية في تركيا مهرولة بأقصى سرعة صوب الاختيار الحاسم والنهائي بين ما إذا كانت تريد الحكم المطلق، أو الحكم الديمقراطي.
وبدعوته إلى انتخابات مبكرة في 24 يونيو، أخذ الرئيس التركي رجب طيب أرودغان مرة أخرى المعارضة المتشرذمة على حين غرة. وجميع أحزاب المعارضة الأربعة عالقة في سياسات الهوية الخاصة بكل منها، وتنتابها على الدوام شكوك بشأن بطاقة موحدة للديمقراطية. ومثلما قال أحد الزملاء “إنهم مثل مجموعة من الكلاب تطارد أذيالها”.
ولا تزال الاحتمالات في صالح رجل تركيا القوي دون تغيّر عن اليوم الذي دعا فيه إلى الانتخابات. وكما وصفت مجلة إيكونوميست الأمر “مسلحا بسلطات الطوارئ، ومسيطرا تقريبا على كل وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة ومتمتعا بالشعبية بين المحافظين، من المتوقع أن يفوز أردوغان بسهولة في سباق لا يتوقع أحد أن يكون نزيها”.
أضف إلى ذلك التعديلات على قانون الانتخابات: فالأحزاب مسموح لها بتشكيل تحالفات لدخول البرلمان، وقوات الأمن يمكن أن تكون موجودة في مراكز الاقتراع إذا استدعاها ناخب، كما أن بوسع المجلس الانتخابي الأعلى في تركيا دمج دوائر انتخابية.
وبشكل واضح تصب التعديلات في مصلحة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، مع سعيه لتعزيز سلطته بعد 16 عاما في الحكم وليعهد لأردوغان بسلطات أوسع. وفي أحسن الأحوال، من المرجّح أن يحولوا تركيا إلى نظام قائم على حزبين، بما يمكّنُ من هم في السلطة من استيعاب حزب الحركة القومية اليميني المتطرف. وبمجرد أن يحدث هذا لن يفصل أردوغان عن سلطات منقطعة النظير سوى تصديق روتيني من البرلمان.
وربما كان حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، يأمل في نظام قائم على حزبين، غير أن ذلك لا يغير شيئا من علامة الاستفهام التي يمثّلها لتركيا، وهي في أزمة سياسية.
ولذلك سوف تمثّل الانتخابات الاختبار قبل الأخير للمعارضة. وحتى الآن يبدو أن المعارضة متحدة في فكرة واحدة هي أن أردوغان هو المشكلة.
وكانت هناك محاولة لتحدي أردوغان بقوة. كانت هناك جهود حثيثة لترشيح الرئيس السابق عبدالله غول كمنافس وحيد لأردوغان على الرئاسة، وذلك قبل أن يستبعد غول نفسه من السباق مستشهدا بغياب “التوافق” على ترشيحه.
ولم تدم الآمال في تكوين جبهة موحدة لتحدي أردوغان طويلا. كان كمال كيليجدار زعيم حزب الشعب الجمهوري ثابتا على موقفه، لكن ميرال أكشينار زعيمة حزب الصالح تراجعت. وزعمت أنها تحوز حوالي 20 بالمئة من الأصوات، وأن حزبها اليميني لا يريد أن يفقد الدعم الذي يتمتع به بسبب التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد. وتشير استطلاعات الرأي الجديرة بالمصداقية إلى أن حظوظ أكشينار لا تتجاوز سبعة في المئة من الأصوات، لكنها ترى نفسها شخصية أكثر أهمية.
واعترضت قطاعات من حزب الشعب الجمهوري، بشدة، بسبب دعم كيليجدار لغول كمرشح وحيد للمعارضة. وسعى بعض الأعضاء البارزين في الحزب لترشيح أنفسهم. وفيما قد يبدو الآن أنه كان تكتيكا خاطئا استغل كيليجدار حقه في تعيين مرشح الحزب، واحتفظ في البداية بالمقعد شاغرا لغول. ويبدو هذا اقتراحا ضعيفا نسبيا وربما يضعف موقفه في ضوء انسحاب غول.
ويبدو أن أردوغان سيواجه أربعة مرشحين، واحدا من كل من أحزاب المعارضة. إذا فاز أردوغان بالجولة الأولى من انتخابات الرئاسة بأكثر من 50 في المئة من الأصوات، ستكون اللعبة قد انتهت تقريبا. أما إذا لم يتمكن من ذلك، فسوف يواجه المنافس صاحب ثاني أعلى عدد من الأصوات، سيكون أردوغان في مواجهة مرشح واحد. سيبذل أردوغان قصارى جهده للفوز في الجولة الأولى وهو حريص على ألا يترك شيئا للصدفة.
كان غول يمثل التهديد الوحيد الجاد لأردوغان، إذ أنه يتمتع بشعبية بين أنصار حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي أسسه مع أردوغان. وربما اعترافا بهذا، أرسل أردوغان سرا كبير مستشاريه، إبراهيم كالين، ورئيس الأركان خلوصي آكار (صديق غول في شبابه) إلى مكتب الرئيس السابق من أجل “إقناع” غول بعدم الترشح في الانتخابات.
وتركز المعارضة جهودها في الوقت نفسه على الفوز بالأغلبية في البرلمان. وتأمل بذلك في أن تتمكن من استغلال التغيير في القانون الانتخابي بخصوص التحالفات السياسية. ولا يزال هناك وقت لبناء تلك التحالفات الحزبية. وأمام الأحزاب حتى التاسع من مايو لإعلان تلك التحالفات.
وبرغم ما قيل آنفا، ففي ضوء مناخ الخوف وغياب منافس موحد لأردوغان، يبدو أن رئيس تركيا يتجه صوب تحقيق حلمه وهو أن يصبح الحاكم الأعلى.
