“بعد عامين من الظلم والتعذيب في سجون النظام وألم الشوق والحنين للأهل والأولاد يخرج بريئا ليس له علاقة بالإرهاب” هذا ما توصل إليه (وزير العدل ووزير المصالحة).
“علي عبد الرزاق الحسينو” من أهالي قرية ا”لخالدية” ناحية قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي والبالغ من العمر 28 عاما متزوج وله أولاد.
انطلق من منزله في الصباح الباكر برفقة زوجته متجها إلى لبنان باحثا عن عمل وذلك بعد أن أخذ أجرة الطريق من أحد أصدقائه ريثما يعود.
يقول علي:” الطريق ممتلئة بالحواجز مررت بأكثر من ثمانية منها تم “تفييش” اسمي ثم انطلقنا حتى وصلنا إلى حاجز يسمى (حاجز القطيفة )صعد عسكري فقام بجمع الهويات وذهب بها إلى الداخل لكن سرعان ما سمعت أحدهم ينادي باسمي وإذ به ضابط برتبة ملازم أول عندها شعرت بالخوف وأمسكت زوجتي بيدي ثم نزلنا من الباص، سألني من معك وماذا تحمل فعرفت أنها آخر لحظة في حياتي أرى فيها الشمس، ثم قال لزوجتي ماعلاقة زوجك بالإرهاب وطلب المال وأخذ مالدينا ثم صرف زوجتي وهي تبكي وتنظر إلي نظرة الوداع دون أن يستطيع أحدنا أن يسأل أي سؤال.”
وبعدها جاء آخر وقال كلمته التي لاأنساها أبدا:(بدنا نتسلى فيك) فوضعت في سيارة زيل ونقلت إلى الفرقة الثالثة في القطيفة وكان معي مجموعة من الأسرى .
وفي اليوم الثاني كبلونا بالسلاسل والقيود ونقلونا إلى الفرع 227 في المربع الأمني في كفر سوسة وهناك شاهدنا الموت بأعيننا، ضرب وركل من كل الجهات، ثم أخذوا منا معلومات وسلبونا ثيابنا حتى أصبحنا عراة ووضعونا في غرفة صغيرة جداً لا تتعدى مساحتها ال(3) أمتار، فيها 105 أشخاص.
وفي اليوم الثاني نادى أحدهم باسمي فرفعت يدي وأنا ارتجف من شدة الخوف فقال:” أنت سخرة أموات” أي عملك حمل الموتى.
وبالفعل كنت في كل يوم أقوم بإخراج من 30 إلى 35 ميت مرمي في الحمامات التي نشرب منها حيث قضوا تحت التعذيب .
وبعدها نقلت إلى عدة فروع أمنية، من دمشق إلى البالونة في حمص إلى الشرطة العسكرية في حماة ثم إلى الأمن العسكري في حماة وهناك وضعوني في منفردة، فجاء المحقق وسألني جميع الأسئلة المعروفة لدى محققي النظام وقال لي: أنت مدني مسلح وعذبني كثيراً، شبح بأنواعه السبعة وتحتي غاز سفري ووضع رأسي داخل كرسي وضرب بكبل يسمى “الأخصر الإبراهيمي” ثم غرفة الكهرباء حيث كان يوضع شريط بأذني وشريط بصدري ثم براميل ماء فيها كهرباء استمريت على هذه الحالة فترة 27 يوما عندها وصلت إلى حالة من الصرع والجنون وتغير جسمي فنحفت كثيرا وخف وزني أكثر من 25 كيلو وعندما وضعت في ماء الكهرباء أحسست أني قد انتهيت فقلت له :” اكتب ماتشاء سأعترف بما تريد واعترفت بأمور لم أفعلها، عندها أعادوني إلى الشرطة العسكرية ثم البالونة في حمص ثم إلى فرع فلسطين وأدخلوني في غرفة(4م)فيها 110 سجناء بدون لباس فيها جميع الحالات المرضية وأكثرها الجنون نتيجة الحر الشديد .
والأمر الأصعب قال لي السجان :هذه البلاطة (3سم) ممنوع الخروج منها لمدة 18 يوم وبعدها عذبوني كثيرا وانهالوا علي ضربا حتى كسروا لي ضلعين وسنين فاعترفت لهم بما يريدون وبصمت على أوراق كثيرة، ثم نقلت إلى القابون 16شهرا ثم فرع 285 أمن الدولة في كفر سوسة بعدها أخذوا47 معتقلا وأنا منهم إلى وزير العدل ووزير المصالحة.
فقال :”أنتم أبناء هذا الوطن وليس عليكم أي تهمة عودوا إلى منازلكم “.
كلمات قالها الوزير بكل هدوء وبساطة وكأن شيئا لم يكن .ثم ذهبت إلى منزلي غير مصدق ماحدث ورفعت يدي شاكرا الله على خروجي من السجن وعودتي إلى أهلي وأولادي .
هذا ماحصل مع علي، وهذه نسبة قليلة من السجناء الذين كتبت لهم الحياة، وهو يعيش الآن مع زوجته وأولاده متأثرا كثيرا بما حدث معه وفي جسمه 835 ثقب وآثار تعذيب وحروق من السجائر والفحم، وأصابته حالة من الخمول والهذيان وقلة الكلام.
يعيش المعتقلون في سجون النظام أوضاعاً مأساوية أدت إلى موت كثير منهم تحت التعذيب وبسبب نقص الرعاية الطبية والغذائية، ويمنع المحامون من مقابلة موكليهم المعتقلين، كما يمنعون من المثول أمام المحاكم الميدانية، ما يحرم المعتقل من أدنى مقومات الدفاع المشروع عن النفس، وقد نُشرت العديد من تقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية التي تحدثت عن أساليب التعذيب المتبعة من قبل قوات نظام بشار الأسد ضد المعتقلين المعارضين في سورية، لكن الناشطين السوريين يعتبرون أن هذه التقارير على الرغم من أنها تعكس واقعاً مأساوياً لما يجري في سجون النظام، إلا أن الكثير من المآسي لا تزال طي الكتمان، بسبب منع نظام الأسد للمنظمات بالدخول إلى السجون والمعتقلات وتفقد أحوال المعتقلين.
معاناة المعتقلين تشكل الوجع الأكبر في هذه الثورة فهم يشهدون الألم ويعيشونه بكل تفاصيله مع سجان ظالم , مجرم , مختل عقلياً ومريض نفسياً .. ظالم في إجرامه لا يقيم وزناً لا لـدين ولا لأخلاق ولا لإنسـانية .
مجلة الحدث – محمد نور