فن سوري

الفسيفساء لوحات صنعت من قطع مكعبة الشكل، لا يتعدّى حجمها السنتيمترات الصغيرة من الرخام أو الزجاج أو القرميد، لتعطي أشكالاً ذات قيمة فنية عالية، وقد تكون هذه اللوحات صور مناظر طبيعية أو أشكال هندسية أو أشخاص. وتعود كلمة “فسيفساء” لغوياً إلى كلمة يونانية، يقصد بها آية الفنون والجمال.
اللجوء إلى تركيا في منتصف الشهر العاشر من العام 2013، هذا ما قرّره فريد الشيخ علي، ابن مدينة كفرنبل، بعد أن أصبحت الحياة مستحيلةً في تلك المدينة، حيث القصف اليومي، وهو أب لطفلين وأربع بنات كانوا يقضون كلّ الوقت بالصراخ والبكاء.
كان النزوح إلى تركيا، بعد رحلة شاقة فيها مخاطر كثيرة وتعب فوق قدرة البشر على التحمّل. وصل فريد إلى مخيم كلّس جنوبي تركيا، حيث استقر هناك، ليقضي كلّ يومه بالتفكير بورشته التي تركها في مدينته التي كان ينتج فيها روائع من لوحات الفسيفساء، وبدأ يفكر بطريقةٍ، يستطيع حماية تلك المهنة العريقة التي تعلّمها من أجداده من الانقراض، بعد أن أحياها هو ومجموعة شبّان من مدينته.
الحاجة أم الاختراع، فجأة سمع فريد أنّ الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، سيزور المخيّم، فقرّر النزول إلى سورية، ليعود بعد عشرة أيام قضاها تحت القصف والخطر، وهو يحضر لوحة فسيفساء له، وقدم اللوحة للرئيس، وهنا بدأت الخطوة الأولى حيث أعجب الجميع بهذا الإبداع الفني.
طلب وليد من والي كلّس أنّ يخصّص له مكان ورشة لتعليم الأطفال السوريين الموجودين في المخيم تلك المهنة. وبعد أسبوع، أعطي موافقة على العمل ومكان لتعليم الأطفال، وبدأ هو وزوجته التي تتقن تلك المهنة في تعليم الأطفال.
الصعوبات والتحدّيات التي واجهته كانت عدم وجود حجر مناسب للعمل، إذ كان يذهب كلّ فترة إلى سورية، ليحضر ما يلزم للعمل، وبدأ المشغل الصغير ينطلق وأقام معرضاً للأعمال التي أنجزها الطلاب.
كانت فرحته كبيرة وهو يشاهد إنجازاتهم، وأنّ تلك المهنة سوف تستمر على أيدي هؤلاء الشباب المبدعين، حيث أخذ المعرض صدى كبيراً في الأوساط التركية، وبدأ الطلب على لوحات لكبار المسؤولين الأتراك والعاملين، بالإضافة إلى لوحات مناظر طبيعية ولوحات ذات رسوم هندسية. وبعد فترة من البحث، تمكّن من إيجاد المواد الأولية في مدينة أنطاكية التركية، وتحوّل ذلك المشغل البسيط إلى ما يشبه المعهد التعليمي، إضافة إلى ورشة عملٍ تنتج لوحات فنية رائعة، وأصبح يحقّق دخلاً مادياً جيداً للعاملين فيه.
عرض على فريد السفر إلى ألمانيا من أشخاص ألمان زاروا المشغل، وقدّموا تكاليف السفر وفتحوا ورشة حديثة للعمل داخل ألمانيا، لكنّه رفض لسببين: الأول أنّ تلك المهنة سوف تنتهي، وسوف يغلق المشغل إذا تمّ السفر، والثاني قرب تركيا من بلده وإمكانية العودة في أيّ وقت.
بعد ثلاث سنوات من العمل في تلك الورشة، أصبحت للفسيفساء السورية اسم كبير في تركيا، وفتحت ورشات مشابهة في أنطاكية تعمل على تشغل أعداد كبيرة من السوريين، وتصدير هذا الفن الرائع ذي الطابع السوري إلى أنحاء العالم.
يمثل فريد نموذجاً للسوري القادر على تحدّي الصعاب، وإيجاد فرص عمل والمحافظة على تراث سورية.

العربي الجديد – وضحى العثمان

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist