عقارات في الحسكة.. مصير تحكمه المنفعة وقوانين قسد الجائرة
حرمان السوريين من أملاكهم، طردهم منها والاستيلاء عليها، شكل من أشكال عقاب سلطات الأمر الواقع لأي مخالف لسياستها. تسن لذلك قوانين وتشريعات في مختلف المناطق، أحياناً تعسفاً بدون قوانين لعدم قدرة الأشخاص على المطالبة بحقوقهم وغياب المحاكم العادلة لتنصفهم. وإن نجت هذه العقارات فمصيرها البيع بأسعار زهيدة أو التجريف والحرق.وفق فوكس حلب .
تشكل قسد سلطة أمر واقع في مناطق سيطرتها، وعمودها الفقري يتشكل من “وحدات حماية الشعب الكردية” YPG، و “وحدات حماية المرأة” YPJ. هما عملياً الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، فيما تشكل الإدارات الذاتية، ذراعه التنفيذية، والأساييش ذراعه الأمنية، وهذا تبسيط مرجو للتعقيد الذي يحرص عليه الحزب من خلال أغطية كثيرة، تحت مسميات تتوالد في كل حين، من تكتلات سياسية وحزبية وعسكرية، جميعها في المحصلة تدور في فلكه.
وبناء على ماسبق، وخروجاً من تعقيد الهياكل الإدارية والسياسية والعسكرية، سنحيل في هذه المادة القوانين والإجراءات والقرارات والممارسات إلى “قسد”، بوصفها سلطة الأمر الواقع، والقوة التي تتكفل في النهاية بإنفاذ القرارات والإرادات، وسنفصّل حين يلزم ذلك.
فوكس حلب أجرت مقابلات مع عدد من المتضررين، وكان لافتاً الإحجام الصارم لدى كثيرين بإعطاء التفاصيل أو عن الموافقة على النشر مهما كانت وسائل حجب الهوية، خشية رد فعل انتقامي، وفق قولهم، مستدلين على ذلك بأن حزب الاتحاد الديمقراطي وتوابعه، يملك جهازاً استخباراتياً قوياً نسبيًا.
بناء على الشهادات، والبحث الموسع الذي أجراه معدّ التحقيق في المصادر المفتوحة، يمكن اختصار ممارسات الحزب المذكور مع أذرعه فيما يتعلق بالأملاك، بأنه استيلاء يجري بحرص شديد تحت جملة من الذرائع المعلنة، التي تخفي دوافع ضمنية، تتضمن معاقبة المناوئين، وإجراءات انتقامية، ومحاولة الحلول مكان النظام فيما يتعلق بالأملاك العامة التي ينتفع منها الأفراد، والبحث عن موارد لخزينة الإدارة الذاتية، أو مكافأة المقاتلين، وذوي القتلى.
قوننة الاستيلاء
في الخامس من آب أغسطس ٢٠٢٠ أصدرت قسد القانون رقم ٧، وهو قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب”، والذي أطلق موجة انتقاد واسعة لمخالفته كافة القوانين المدنية والجنائية الخاصة بحق التملك وحرية التصرف وإدارة الأملاك، ، وفق قول المركز السوري لحقوق الإنسان المقرب من قسد، والذي اعتبر أيضا أن القانون يشبه ما تقوم به بعض الدول التي تفرض سيطرتها على الممتلكات الفردية تحت مصطلحات “الصالح العام” أو “التأميم”، منوهاً إلى قانون مماثل صدر في “إقليم الجزيرة” (الحسكة) أواخر ٢٠١٥.
المحامي حسين نعسو، فنّد القانون المذكور مادةً تلو الأخرى، متناولاً بادىء ذي بدء الأسباب الموجبة لإصدار القانون بوصفها جزء لا يتجزأ من القانون نفسه، وقد أورد القانون في مقدمته أنه صدر من أجل “الحفاظ على أموال و أملاك الغائبين والمهاجرين من العبث والاستباحة ووضعها في خدمة تنمية المجتمع وسكان الإدارة الذاتية بعد استفحال ظاهرة الاستيلاء على أموال الغائبين والمهاجرين” .
إن حماية أموال وأملاك الناس لا تكون من خلال الاستيلاء عليها إنما من خلال سنّ قوانين رادعة لمن يعتدي عليها، وفق ما يقوله المحامي حسين نعسو، ويضيف أنه لا وجود لأموالٍ وأملاك سائبة لا مالك لها أو وكيل يدير شؤونها.
ويرى المحامي نعسو أن مواد القانون يشوبها الغموض، وغير عادلة، وسالبة لإرادة الإنسان وحقه الطبيعي في التصرف بأملاكه، وتفويض وتوكيل من يشاء لينوب عنه، وأن الفائدة المادية من هذه القانون ستعود إلى خزانة “الإدارة الذاتية”، ليستنتج في المحصلة أن هذا القانون باطل لمخالفته الصريحة نصوص ومواد العقد الاجتماعي، الذي يُعدّ هناك بمثابة الدستور، وجرت المصادقة عليه عام ٢٠١٤.
من جانبه، شبّه القيادي السوري البارز، عبدالباسط سيدا، القانون بالقانون رقم ١٠ الذي أصدره النظام السوري، واصفاً إياه بأنه محاولة لسلب أملاك الناس، وخطوة ستخلف وراءها عداوات لا تنتهي، وثأراً لا ينطفىء بين أفراد المجتمع السوري.
الانتقادات الحادة دفعت المكتب التنفيذي التابع للإدارة الذاتية إلى إصدار بيان علّق بموجبه القرار على أن يُعاد النظر بصياغته ليواكب تطلعات وحقوق شعوب المنطقة، وفق وصف البيان.
مصادر متعددة ومطلعة، أكدت لفوكس حلب أن القرار رغم تعليقه المعلن إلا أن تطبيقه جار، واستولت قسد بموجبه على أراض ومنازل عائدة لغائبين من أبناء المنطقة، وتستثمر الأملاك لصالحها.
وركز بحثنا في هذا الصدد على محافظة الحسكة، بوصفها صاحبة حصة الأسد من المصادرات، مقارنة ببقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة قسد كلياً أو جزئياً، وطبيعة الحال فإن الاحصائيات تعطي مؤشرات إذ أن الوصول إلى بيانات دقيقة تكاد تكون مستحيلة، ومن خلال الشهادات، وكذلك رحلة تقصّ في المصادر المفتوحة، وضمن عملية تحقق ومقاطعة، يمكن القول وفق بيانات أولية، أن قسد استولت على ما لا يقل عن ٩٥٠ منزلاً، في محافظة الحسكة، وكذلك على أكثر من ١٨٠٠ أرض زراعية، في حين تعرض أكثر من ١٤٥٠ منزلاً للهدم أو الحرق.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تقرير منظمة العفو الدولية الصادر عام ٢٠١٥ والذي تناول ما وصفه التقرير بالانتهاكات الخطيرة التي تتضمن التهجير القسري وهدم المنازل، في إطار “حملة متعمدة ومنسقة شكلت عقوبة جماعية”، في حين نفت الوحدات الكردية تلك الاتهامات واعتبرت الانتهاكات “حالات معزولة”.
العقارات الأميرية
في كانون الثاني ٢٠٢١ أصدر الجهاز القضائي في مناطق قسد القانون رقم ٦، الذي يمنع جميع محاكمه من سماع أي دعوى عينية عقارية (الدعاوى المتعلقة بأصل الحق) بالنسبة للعقارات الأميرية، أي العقارات الواقعة خارج المخطط التنظيمي، وفق ما أورده تقرير لتلفزيون سوريا. و وفق القانون المدني السوري، تعرف العقارات الأميرية بأنها “العقارات التي تكون رقبتها للدولة، ويجوز أن يجري عليها حق التصرف”.
منع القرار المحاكم البت بالدعاوى المتعلقة بالحقوق العينية الأصلية، وأوجب رد جميع الدعاوى المتعلقة بتلك الحقوق، بأي مرحلة تكون بها، وهي المتعلقة بحقوق الملكية والتصرف والسطحية والانتفاع حصرًا، بما فيه توثيق وتثبيت عقود البيع، على أن يكون هذا القرار مؤقتاً إلى حين إنشاء سجل عقاري موازٍ.
واستثنى البيان النظر في دعاوى تثبيت عقود الرهن الحيازي وإنهائه، والدعاوى المتعلقة بعقود الإيجار، ودعاوى الحيازة، وعقود المزارعة، وتصفية التركات، وتثبيت التخارج، ودعاوى منع المعارضة المستندة إلى أسس قانونية وواضحة.
خرق للدستور
المحامي عبدالناصر حوشان، عضو هيئة القانونيين السوريين، يرى أن أي إجراء بحق أملاك السوريين، ومن أي جهة كانت، تعتبر مخالفة للقانون، لأن العقارات كلها أملاك خاصة مصانة وفق المادة ١٥ من الدستور السوري.
وتنص المادة ١٥ من الدستور السوري على أن الملكية الخاصة، جماعية أو فردية، مصانة وفق الأسس التالية:
- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.
- لا تُنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون.
- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.
- تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون ولقاء تعويض عادل.
- يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية.
وفي حالة قسد يوضح المحامي عبدالناصر حوشان أن “السكان الذين تعدّهم قسد غائبين وتشرّع عملية استثمار أملاكهم، لا يعتبرون، في نظر القانون السوري، بمثابة غائبين، بل هم نازحون أو مهجّرون قسرياً، ولم يخرجوا من بيوتهم طواعيةً، أما الغائب في نظر القانون فهو الشخص مجهول المصير والذي لم تستطع الدولة الوصول له، وبالتالي لا يحق للدولة أو أي جهة مسيطرة على الأرض، التعرّض لأملاك الغائبين في هذه الحالة”.
كذلك يتناقض قانون “إدارة أملاك الغائب” مع “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية” الذي أصدرته عند تأسيسها. والذي جاء في المادة /٤٢/ منه : “للجميع حق التملك، والملكية الخاصة مصونة، ولا يُحرم أحد من التصرف بملكه إلا وفق القانون، ولا يُنتزع منه إلا لأغراض المنفعة العامة بشرط تعويضه تعويضًا عادلًا حال رفع يده عن ملكه”.
نظرة على القضاء ..الحسكة نموذجاً
انتقلت تباعاً جميع محاكم الحسكة التابعة للنظام السوري مع حلول عام ٢٠١٣ إلى المربع الأمني وسط الحسكة، لتتكفل محاكم الشعب التي أسسها عملياً حزب الاتحاد الديمقراطي عبر مجالسه التشريعية الحلول مكان محاكم النظام.
في عام ٢٠١٥ أعيدت هيكلة النظام القضائي بشكل شامل، ليصبح “مجلس العدالة الاجتماعية” بمثابة مجلس أعلى للقضاء، الذي يدرس ويراقب عمل مؤسساته والتنسيق بينها وتنظيمها والإشراف عليها، ويتألف من ١٧ عضواً موزعين على خمس لجان، فيما استبدلت محاكم الشعب، بما يسمى بدواوين العدالة الاجتماعية، وعددها ٨ في الحسكة، وهيئة التمييز مكان هيئة الاستئناف، ولجنة التحقيق والادعاء محل النيابة العامة.
الرئيسة المشتركة لمجلس العدالة الاجتماعية صرحت عند تأسيسه أن الصعوبات التي تواجه المجلس تتمثل في أمرين، أحدهما مرتبط بدعاوى الأراضي الزراعية التي كانت قائمة في عهد النظام، ولازالت إلى اليوم، فهي بحاجة إلى حلول جذرية، وفق قولها.
القاضي خالد علي رئيس هيئة التمييز (الاستئناف) حينها قال إن النظام الجديد من شأنه الإسراع في حل الدعاوى نتيجة الاقتصار على درجتين في التقاضي، لتكون قرارات هيئة التمييز مبرمة. ويعتمد النظام القاضي كذلك على ما يشبه لجنة المحلفين، وكما تنقسم الدعاوى إلى جزائية ومدينة، حيث ترفع القرارات إلى ديوان العدالة، وبدوره يدرس الملف، ويستدعي أطراف القضية ويصدر القرار البدائي، ويمكن استئنافه أمام هيئة التمييز ما لم يكن قرار ديوان العدالة مبرما ً بحكم القانون.
وعن القوانين المعتمدة، يقول القاضي خالد علي “نطبق قوانيننا وأعرافنا، وفي حالة عدم وجود نص نلجأ للقانون الوضعي السوري، الجزائي والمدني، استناداً إلى المادة ٨٨ من العقد الاجتماعي”.
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أجرى دراسة معمقة العام الماضي تحت عنوان “الإدارة الذاتية.. مدخل قضائي في فَهم النموذج والتجربة”، وشملت الاستنتاجات المتعلقة بالجهاز القضائي، البنية والمرجعية، وتوزع القضاة العلمي والديموغرافي، والاستقلالية والحياد، والفاعلية والأثر.
وفي هذا الإطار أبرزت الدراسة التعقيد الكبير في البنية المؤسساتية والتداخل في المهام والوظائف وكذلك الخلل في المرجعية، والأهم الغياب الكامل لاستقلالية الجهاز القضائي، جراء سيطرة كوادر حزب العمال الكردستاني على مؤسسات العدالة الاجتماعية، والإشراف عليها مالياً وأمنياً وإدارياً، وكذلك ما تعاني منه القرارات من سياسات تمييزية على أساس حزبي بالدرجة الأولى، وعرقي ضمن مستويات عدة في القضاء المدني أو العسكري خاصة في القضايا المتعلقة بالإرهاب.
وبيّنت الدراسة في الفاعلية والأثر عزوف الغالبية العظمى من السكان هناك عن الجهاز القضائي المذكور ولجوئها إلى محاكم النظام لاسيما بدعاوى السجلات المدنية والعقارية، في حين لوحظ صعود التحكيم العشائري والكنسي والشعبي (عبر الوجهاء) في الخصومات والنزاعات للوصول إلى تسويات رضائية.
وأخيراً، كان ما سبق لا بد منه لتوضيح المسارات التي تتخذ بها القرارات، ومسالكها التنفيذية، قبل عرض الشهادات والنتائج، وذلك تحرياً لفهم أعمق لقضية الأملاك في مناطق سيطرة قسد.
معاقبة المناوئين
فشلت محاولات ابنة فيصل الغنام باسترجاع منزل عائلتها، في مدينة القامشلي، المسجل باسم والدتها، والذي استولت عليه قوات سوريا الديمقراطية منذ عام ٢٠١٤، رغم رفعها لدعوى قضائية أمام ديوان العدالة الاجتماعية الذي حل محل محكمة الشعب بموجب المرسوم رقم ٢١ عام ٢٠١٥.
يقول فيصل الغنام في شهادته لفوكس حلب، وهو من أهالي قرية فرفرة بريف القامشلي، إن القاضي رفض الدعوى القضائية التي قدمتها ابنته لاسترجاع منزل العائلة المسجل باسم زوجته غالية، بحجة أن ملكية المنزل تعود لأحد المقاتلين في صفوف الجيش الحر، وأقر بأن المنزل بات من حق (الدولة) في إشارة للإدارة الذاتية.
لا ينكر فيصل الغنام انتسابه في العام ٢٠١٢ إلى فصيل “لواء شهداء الظاهرية”، في مدينة رأس العين بعد نزوحه إليها، لكنه يستنكر وضع يد قسد على منزله الذي تعود ملكيته لزوجته من جهة، وكذلك لمخالفة ذلك للقوانين والدستور السوري الذي يضمن هذا الحق.
ويروي الغنام الذي كان يعمل مزارعاً ومربياً للخيول الأصيلة قبل عام ٢٠١١، أن منزله في الحي الغربي من مدينة القامشلي والواقع بجانب حاتم الطائي، وهو عبارة عن منزل “عربي” بمساحة ٢٢٠ متراً، تم الاستيلاء عليه من قبل مقاتلين يتبعون للوحدات الكردية وطرد قريبه الذي سكن فيه، ما دفعه لإرسال ابنته إلى هناك، لتجد المنزل مسكوناً من قبل عنصر من الوحدات الكردية رفض الخروج منه عند مطالبتها له باستعادته.
شقيق فيصل، ويدعى شعلان، هو الآخر تم طرده من منزله في قرية شرموق بريف القامشلي، وتحويل المنزل إلى مقر أمني بحجة انتماء ابنه للجيش الحر، كذلك منزل فيصل في قرية فرفرة ومنازل أولاده الثلاثة بالحجج ذاتها.
“ندفع أملاكنا وأملاك أولادنا ثمناً لوقوفنا ضد قسد” يقول الغنام، معتبراً ما تقوم به “الإدارة الذاتية” غير مبرّر، ويشبه إلى حد كبير ما تقوم به حكومة النظام وإيران في الاستيلاء على منازل المعارضين وأملاكهم التي يضمنها الدستور السوري، والتي فصلها موقع فوكس حلب ضمن سلسلة تحقيقات سابقة.
استيلاء انتقامي
شكري العبد الله من أهالي تل تمر بريف الحسكة قال إن عناصر ملثمين داهموا منزله في عام ٢٠١٤، ويضيف: “أخبروني أني لا أملك سوى خيارين، الانضمام إلى قسد أو طردي وعائلتي من المنطقة”.
يدفع شكري، على حد قوله، “ثمن وقوفه إلى جانب الثورة السورية”، وهو ما دفع الملثمين، يقول إنهم من آل النعمو، وهي عائلة عربية موالية لقسد ويعمل شبانها في صفوفهم، إلى طرده من المنزل، يقول إنهم أخبروه بعد رفضه الانضمام إليهم “انسى أن لك منزلاً هنا”.
طالب شكري باسترجاع منزله الواقع في شارع فلسطين، جانب المدرسة، وسط تل تمر، عن طريق شقيقه، إلا أن الأخير تعرض “للطعن” من قبل عناصر في المنطقة، رغم ملكيته لعقد يثبت أحقيته في المنزل.
يسكن في منزل العبد الله، اليوم، شخص يدعى سطام أحمد العلو، وهو عنصر في صفوف قسد من أبناء تل تمر، يقول شكري “فقدت أي أمل باسترجاع منزلي وأخاف إرسال أي شخص للمطالبة به خوفاً على حياته، غادرت سوريا إلى تركيا بعد ذلك، وأعمل الآن في الزراعة لأعيل أسرتي”.
ليس شكري الوحيد الذي فقد منزله من عائلة العبد الله، إذ استولي على منزل والده الواقع عند منطقة القوس على اوتوستراد تل تمر، وفيلا تعود ملكيتها للعائلة، إضافة لمنزل شقيقه وصالة ألعاب “بلياردو” وسط المدينة، من قبل عناصر كرد من “آل سيدو”.
كذلك أحرقت قسد ١٣ منزلاً مملوكة لعائلة محمد خضر المحمود “أبو عادل، كان رئيس لجنة أمنية في مجلس السلم الأهلي الذي شكلته قسد في ٢٠١٣، وفق حديثه لفوكس حلب، في منطقة العصفورية على أطراف تل تمر بريف الحسكة، وفجرت منزله بالعبوات الناسفة كنوع من الانتقام، ودمرت منزل أبيه وسط تل تمر عند منطقة القوس، وحوّلته إلى ساترٍ ترابي.
وفي العام ٢٠١٧ طردت قسد عائلات من آل الرميض الموجودة في قرية الرميض بريف القامشلي الجنوبي، من منازلهم لأربعة أو خمسة أشهر، وبعد وساطات عشائرية سُمح للنساء والأطفال فقط بالعودة إلى عدة منازل، بينما استولت قسد على نحو ٥٠ منزلاً تعود مليكتها لـ آل الرميض، بحجة انتماء جزء من أهلها سابقاً إلى الجيش الحر وجزء آخر لتنظيم داعش، وفق ما رواه الناشط الإعلامي مجد السالم من أهالي القامشلي.
ويضيف أن قسد استولت كذلك على عشرين منزلاً في قرية “محمد دياب” جنوب القحطانية بريف القامشلي، ومن ثم قامت بتدمير تلك البيوت والاستيلاء على الأراضي.
في نهاية عام ٢٠٢٠، اعتقل الأمن الداخلي “الأساييش”، ١٩ شخصاً من أهالي حي غويران في الحسكة بعد رفضهم إخلاء منازلهم وتسليمها للإدارة الذاتية، وفق ما أورده تقرير لتلفزيون سوريا. وهو ما يفسر خوف سكان من المطالبة بمنازلهم.
ذرائع عسكرية
يقول مصدر، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، في مدينة تل تمر إنه وفي أيار الماضي، استولت قسد على ستة منازل في محيط صوامع الحبوب وحوّلتها إلى مستودعات ذخيرة، على حد قوله.
ويضيف إن اختيار هذه البيوت جاء لقربها من الصوامع وإن عملية ربط عبر شبكة أنفاق أقيمت بين هذه المنازل والصوامع.
وفي شباط الماضي استولت قسد على “٥٥ فيلا”، تسمى “الفيلات الحمر” جنوب شرق مدينة الحسكة بالقرب من مبنى سجن الثانوية الصناعية.
تعود ملكية تلك “الفلل” لمدنيين من سكان مدينة الحسكة، طردت عوائلهم منها، ويصل عددهم إلى ٧٠ عائلة بينها عدد من العوائل النازحة، بحجة تحويلها إلى منطقة عسكرية.
للغرض ذاته استولت قسد على ثمانية منازل في حي المشيرفة بمدينة الحسكة، وطردت سكانها منها، رغم أن المنازل تعود ملكيتها للأهالي منذ عام ١٩٥٩.
وفي آب ٢٠٢١ استولت قسد، على منزل المدني “موسى حسن الكلاح” في قرية الكرامة بمنطقة “عامودا”، وعلى منزل “جوان حسين” في قرية “جرنك” بريف الحسكة، وحولتهما إلى مقرات عسكرية، وحفرت خنادق في محيطهما، على الرغم من عدم موافقة أصحابهما، بحسب ما أفادت شبكة الخابور المحلية.
كذلك، استولت قسد على محضرين من مساكن عمال مديرية الجبسة الخاصة التعاونية، والتي تضم ٢٠ منزلاً تعود ملكيتها لعدد من المدنيين. وتضم مساكن الجمعية ١٤ محضراً، كل محضر يضم ١٠ شقق سكنية وهي أملاك خاصة، تم الاستيلاء على المحضرين من الجهة الشمالية، كونهما يطلان على القاعدة الأميركية، بحسب ما أورده موقع العربي الجديد.
يقول عضو هيئة القانونيين السوريين، المحامي عبد الناصر حوشان: إنه ووفق القانون الدولي “لا يجوز للسلطة الشرعية أن تضع يدها على أي أملاك خاصة لأغراض عسكرية إلا للضرورة القصوى، وأن يكون ذلك في حالة النزاعات المسلحة مع دول أخرى معتدية، وليس صراع أهلي، أو بين قوتين عسكريتين من نفس البلد، وبنفس الوقت تلزم الدولة بتعويض الطرف الذي صادرت منزله او استخدمته لأغراضٍ عسكرية، كما أن المادة ١٥ من الدستور السوري، تقول إنه تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة، بموجب قانون ولقاء تعويض عادل”.
ومن جملة ما يمكن رده إلى الذرائع العسكرية، الاستيلاء على منازل وتسليمها لذوي قتلى أفراد قسد، يقول أحد سكان مدينة الحسكة فضّل عدم ذكر اسمه: “منذ شهرين عاد ابن خالتي من ألمانيا إلى الحسكة، لكنه تفاجأ بوجود عائلة تقيم في منزلهم، وأخبرته المحكمة العائلة أحد أفرادها قُتل في المعارك”.
يضيف المصدر ذاته: “ابن خالتي كردي ويقيم في ألمانيا منذ ١٤ سنة، فبأي حق تسمح محكمة قسد، لأي عائلة أو شخص باستخدام أملاك الناس، هل من المعقول أن تقوم الإدارة الذاتية بتشريع التعدّي على عقارات الأهالي بحجة إسكان عوائل شهداء فيها، عوضاً عن توفير بيوت لهم على نفقتها!”.
“نحن الدولة”.. حرب على ” الأملاك العامة”
في حزيران ٢٠٢١، تلقى محمود الجدعان (اسم مستعار) إنذاراً من مجلس بلدية القامشلي التابع للإدارة الذاتية لإخلاء منزله في جمعية الرصافة بمدينة القامشلي خلال عشرة أيام، بحجة إقامته فيه دون مستند قانوني.
حصل معدّ التحقيق، على صورة من الإنذار، ووفق الجدعان إنه يسكن في منزله منذ ما يزيد عن خمس عشرة سنة وفق عقد إيجار رسمي من الجمعية ذاتها، يقول “ليس من حقهم طردي، رفضت تنفيذ القرار ووكلت محام لرفع دعوى عدم تعرض على مجلس بلدية القامشلي”.
يضيف الجدعان أن عائلته، وبعد رفع دعوى قضائية، تتعرض يومياً لتهديدات بالاعتقال لإجبارهم على الخروج من المنزل، وأن سكاناً آخرين تركوا منازلهم بالفعل ويشغلها اليوم مقاتلون يتبعون لقسد.
أربعون عائلة تسكن في جمعية الرصافة تلقت الإنذار ذاته، بوجوب إخلاء المنازل، منهم أمجد العيسى (اسم مستعار) والذي ترك شقته السكنية بعد فشل محاولاته مع المجلس البلدي لإقناعه، رغم امتلاكه عقد إيجار رسمي، وإيصالات شهرية عن دفع الإيجار للجمعية، حصل معدّ التحقيق على نسخة منها.
ضياع وثائق ملكية منازل في جمعية الرصافة كان سبباً بطرد عائلات مقيمة فيها كانوا قد اشتروا منازلهم وليس استئجارها، يقول أحد ملاك هذه المنازل إن جمعية الرصافة تأسست منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، مقرها مدينة القامشلي، ويتراوح عدد منازلها بين ٤٠ إلى ٥٠ شقة، يقطنها موظفون في مؤسسات الدولة ومتقاعدون، قسم منهم بموجب عقود بيع وأخرون بعقود إيجار نظامية عمرها يزيد عن عشرين عاماً.
بعيداً عن جمعية الرصافة وبالقرب من المدينة الرياضية، وفق وكالة الأناضول، هجر نحو ١٥٠٠ مدني من منازلهم في مدينة الحسكة، الحجة هذه المرة كانت أسباباً أمنية، لقرب منازلهم من مواقع تشغلها القوات الأمريكية في المنطقة.
تضيف الوكالة ولم يمكن التأكد من مصدر مستقل، أن كل بناء مكون من خمسة طوابق، ضمنها خمسة عشر شقة، أخلي سكانها بـ “قوة السلاح” وأطلقت عيارات نارية في الهواء من قبل عناصر في قسد عند اعتراض الأهالي على الإخلاء.
يملك الأهالي وثائق تؤكد ملكيتهم للمنازل، بحسب وكالة الأناضول، والتي قالت إن قسد تذرعت بأن تلك المنازل تعود ملكيتها لحكومة النظام. وتحدث التقرير عن توزيع هذه المنازل على عناصر ومسؤولين في وحدة حماية الشعب، دون تعويض للأهالي.
بالقرب من محطة قطار القامشلي، بنت حكومة النظام ستة أبنية كل منها مكون من أربعة طوابق، في كل طابق ثلاثة شقق سكنية، وزعتها على العاملين في المحطة.
أحد العاملين في المحطة، رفض الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة، قال إن الإدارة الذاتية طردته مع عدد من زملائه منذ نحو ستة أشهر من المنازل التي يسكنونها في المحطة رغم أنهم ما يزالون قيد العمل، وأسكنت عوضاً عنهم عائلات لمقاتلين وقيادات من قسد.
تلك المنازل، وفق المصدر، وزعت من قبل حكومة النظام على عمال المحطة للإقامة فيها طالما هم على رأس عملهم، إلا أن الإدارة الذاتية استولت على هذه المنازل بحجة ملكيتها للدولة، يقول “أخبرونا أن هذه العقارات ملك للدولة وتتصرف بها وفق ما تراه مناسباً لمصلحتها”.
تخالف الإجراءات المتبعة بحق سكان الجمعيات السكنية، القانون السوري، يقول عبد الناصر حوشان، عضو هيئة القانون السوريين، إنه ووفق القانون “لا يحق لأي جهة طرد شخص من منزله، سواء كان ملكية دائمة أو حيازة مستقرة، أو تخصيصاً”.
هذا الأمر ينطبق، وفق حوشان، على من يملكون عقد إيجار، فـ “الإيجار هو عقد بين طرفين المستأجر والجمعية، في حالة بيوت الرصافة. والمستأجرون هنا هم أصحاب حق محمي بالقانون ولا يجوز لأي سلطة شرعية أو غير شرعية طردهم من منازلهم”.
يقول حوشان “بالنسبة للذين اشتروا منازل في الجمعيات وما يزالون يدفعون الأقساط المترتبة عليهم، فتوصف ملكيتهم للعقارات بـ “المقيدة”، أي أن هناك إشارة حجز على العقار ولا يجوز التصرف به من قبل المالك لحين تسديد كامل القسط، وبعد الانتهاء من الأقساط تنقل ملكية العقار للشخص، لكن لا يحق لأي جهة طردهم بحجة أن هذه الأملاك ملكية عامة حتى وإن كانوا لم يحصلوا بعد على أوراق تثبت ملكيتهم بعد”.
وأضاف حوشان أنه “خلال هذه الفترة، أي من لحظة استلام الشخص للعقار من أجل استثماره لحين انتقال ملكيته له، لا يحق للدولة أو أي قوة على الأرض حرمانه منه أو الاستيلاء عليه، فهؤلاء الأشخاص لديهم عقد بينهم وبين الدولة، أو لديهم عقد تسوية مع الدولة، ويدفعون رسوماً أو ضرائب أو غرامات، وكل هذه الوثائق يمكن الاستناد لها في إثبات الملكية، وتخضع لأحكام الحيازة، أي أن أملاكهم مصانة بموجب الدستور، وبالتالي كل عمليات المصادرة التي قامت بها قسد بحجة الأملاك العامة تعد باطلة”.
إلى جانب المنازل، لم تسلم الأراضي كذلك من المصادرة بحجة أنها “أملاك دولة”، أبو رضوان الحسين، من قرية الشدادي، يواجه إلى الآن هذه المشكلة، يقول إنه اشترى أرضاً زراعية مطلع السبعينات، مساحتها نحو ١٥٠٠ دونماً، وحصل على عقد موقع من الكاتب بالعدل، وحاول تثبيت نقل الملكية في الطابو العقاري وأرسل ما يتطلبه الأمر من عقود وموافقات لكنه إلى الآن لم يستطع تحقيق ذلك، وما تزال ملكية الأرض لصاحبها الأصلي.
يقول أبو رضوان “رغم أن الأرض فعلياً لنا، لكن قسد قامت عام ٢٠١٥ بمصادرتها، بحجة أنها أملاك عامة، وأنه ليس بحوزتي سند تمليك خاص بالأرض، علماً أن أغلب الفلاحين وضعهم مثلي، ما أدى إلى مصادرة كثير من الأراضي من قبل قسد للحجة ذاتها”.
عشرات الأراضي في محافظة الحسكة انتزعت من أصحابها، لا يملكون وثائق تثبت ملكيتهم، بحجة الأملاك العامة، يقول مضر حماد الأسعد، الناطق باسم مجلس القبائل والعشائر العربية، إن “نقل الملكية لا سيما الأراضي ضمن السجل العقاري للنظام في الحسكة، عملية معقدة للغاية، فمنذ أكثر من خمسين سنة منع النظام، بشكل ضمني، نقل الملكيات في محافظة الحسكة لمنع حصول أي تغيير ديموغرافي في المنطقة”.
التضييق يكون أكبر على عملية نقل الملكيات في المناطق الحدودية شمالي الحسكة، يضيف الأسعد، ويضرب مثالاً عن ذلك بوجوب الحصول على موافقة من خمس جهات أمنية لتثبيت أرض في الطابو العقاري، بعدها يرسل الملف إلى وزارة الدفاع في دمشق للتدقيق، وتختلف المدة لعودته بين أسابيع إلى عشرات السنين للحصول على موافقة نقل الملكية في السجل العقاري.
يُعرّف القانون المدني السوري الأملاك العامة، بأنها “أملاك عقارية أو منقولة ويكون من حق جميع الناس استعمالها والانتفاع بها، دون مقابل باعتبارها مخصصة للمنفعة العامة”، وقد تطلّب ذلك وجود قوانين وأحكام تعمل على تنظيم تلك الملكية وتأمين الحصانة اللازمة لها من أي عملية سلب أو اعتداء، وليس لأي شخص الحق في التصرف بها أو تملكها أو حجزها أو بيعها لأي سبب، وتتولّى الدولة مهام إدارتها والإشراف عليها وفقاً للقوانين ومقتضيات المصلحة العامة.
يفرق المحامي عبد الناصر حوشان، بين نوعين للأملاك العامة، الأول أملاك الدولة المحمية والتي لا يحق لأحد استثمارها، والنوع الثاني أملاك الدولة الخاصة، والتي يمكن أن تعطيها الدولة لأشخاص يستثمرونها، وهذه الأملاك تنتقل لملكية الأشخاص المستثمرين لعقارٍ ما بعد ١٥ سنة، وفي بعض الحالات بعد خمس سنوات من الاستثمار”.
سياسة “الأتاوات”
في تحقيق سابق كشف فوكس حلب عن انتهاك النظام السوري للأملاك والمتمثل في التعدي على أراضي السوريين، التي تُدخل أصحابها في متاهات الاستثمار، وتحويلهم إلى عمال فيها، ضمن إجراءات قد تنتهي بمصادرتها، وهو ما عده خبير قانوني جريمة حرب، وتكاد تلك الممارسات تتكرر في مناطق قسد.
يقول مزارعون في قرى تل حميس، تل براك، جبل عبد العزيز في ريف الحسكة إن الإدارة الذاتية فرضت ما أسموه “إتاوات” عليهم للسماح لهم بحصاد محاصيلهم، تراوحت بين ٣٠ إلى ٥٠٪ من الإنتاج.
تعود ملكية هذه الأراضي، في معظمها، لنازحين أو لاجئين هجروا أو تركوا مناطقهم خوفاً من المعارك العسكرية، يفرض عليهم إتاوات أحياناً أو تستثمر هذه الأراضي وفق مزادات أو بشكل مباشر.
قسم آخر من المزارعين منعوا من حصاد محاصيلهم نهائياً لأن أصحابها أو أحد أبنائهم ينتمون لفصائل عسكري، في هذه الحالة، تقوم الإدارة بزراعة الأراضي وحصادها.
ويجري ذلك وفق قرارات رسمية تصدر عن مؤسسات مثل “اللجنة الزراعية”، “لجنة إدارة أملاك الغائبين”، “مؤسسة عوائل الشهداء”، وتعود ملكية قسم من الأراضي للفلاحين، أما القسم الأخر وقد عرجنا على جزء منها سابقاً، فهي أراض للدولة يزرعها فلاحون من عشرات السنين وفق نظام “الأجر بالمثال” أو “وضع اليد”، وهي قوانين خاصة بتنظيم أملاك الدولة، والتي تقوم مديرية العقارات في المحافظات بتنظيمها وإعطائها للفلاحين لاستثمارها بهدف دعم الفلاحين وتثبيتهم في أراضيهم وقراهم.
يقول الناشط الإعلامي علي السبعاوي من أبناء القامشلي: “عقب سيطرة تنظيم داعش على كثيرٍ من المناطق في محافظة الحسكة، نزح الأهالي نحو مناطق الشمال أو إلى تركيا وأوروبا، وحين اندلعت معارك في تلك المناطق قامت قسد بتجريف أغلب المنازل المتواجدة في الأرياف، ولاسيما في أرياف الشدادي والجوادية وتل حميس والحسينية والهول والشرابين، بحجة تحصّن عناصر داعش في تلك البيوت، أو أن قاطنيها موالين لداعش أو الجيش الحر”.
وأضاف “وضعت قسد يدها على الأراضي الزراعية وزرعتها وجنت المحصول لصالحها وبيعه وبالتالي حُرم الأهالي من خيراتهم”.
من جهته يقول “محمد خضر المحمود” من أهالي تل تمر: “استولت قسد على عشرات الأراضي التي تعود ملكيتها للأهالي ومنعتهم من دخولها، أصبحت بعض تلك الأراضي جرداء بسبب جفاف الآبار حولها، أما الأراضي التي بجانبها آبار مياه، قامت قسد باستثمارها وبيع المحصول لصالحها”.
ووفقاً لمجد السالم فإنه وفي العام ٢٠١٧ استولت قسد على أراضٍ تعود مليكتها لـ آل الرميض الموجودة في قرية الرميض بريف القامشلي الجنوبي، واستثمارها وجني أرباح المحصول.
في تشرين الأول ٢٠١٩ وضعت قسد يدها على عشرات الأراضي في قرى سبع سكور وطابان غربي والميلبية بريف الحسكة الجنوبي، وتبلغ مساحتها نحو ٢٠ ألف دونم، وحرثتها وجنت محصول القمح وباعته لصالحها.
وفي آذار ٢٠٢١ استولت قسد، على ٢١ أرضاً ومزرعة في محيط بلدات تل تمر وناحية أبو راسين وقرية سويديك ذات الأغلبية السريانية قرب المالكية بريف الحسكة.
تقع بعض هذه الأراضي على خطوط التماس مع فصائل الجيش الوطني المدعومة تركياً في شمال الحسكة، وتم الاستيلاء عليها بذريعة أن أصحابها هاجروا منها نحو مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، والتحقوا بالفصائل هناك لمحاربة قوات “قسد” بالمنطقة.
البيع بوصفه أقل الخسائر
تأسيساً على ماسبق، فقد دفع الخوف على الملكيات كثير من السكان في الحسكة على بيع منازلهم وبأسعار زهيدة، وارتفعت وتيرة البيع، وبشكل ملحوظ، عقب إصدار “الإدارة الذاتية” قانون إدارة أملاك الغائبين في آب ٢٠٢٠، حيث خشي العديد من الأشخاص، خاصةً الموجودين خارج الحسكة، من أن تضع قسد يدها على أملاكهم بموجب هذا القانون، في تكرار لافت لما تضمنه تحقيقات سابقة تناولت استراتيجية إيران في نهب أملاك السوريين، في كل من دمشق وريفها، والمنطقة الشرقية، وحلب.
يقول “مختار العيسى” لاجئ سوري في اسطنبول من أهالي الحسكة: “حين سمعت عن قانون أملاك الغائب، جهزت فوراً وكالة رسمية في قنصلية النظام في إسطنبول، باسم ابن عمي الموجود في سوريا، لببيع منزلي الكائن في حي الكلاسة وسط الحسكة، لأني خشيت أن تضع قسد يدها على العقار كونه فارغ، وبالفعل بعت المنزل مقابل ٩ آلاف دولار، رغم أن سعره أعلى بكثير”.
وارتفعت حركة معاملات البيع لدى مديرية المصالح العقارية في مدينة الحسكة، بنسبة تجاوزت ٢٥٪ خلال عام ٢٠٢٠ عن العام الذي سبقه، بحسب ما أفاد مدير المصالح العقارية بالحسكة، “دوّاس المرعي”، لصحيفة “الوطن الموالية”.
ووصل عدد المعاملات التي أنجزتها مديرية المصالح العقارية التابعة للنظام في الحسكة خلال عام ٢٠٢٠، لنحو ٢١ ألفًا و٢٩٥ معاملة، بينما بلغت ١٥ ألفًا و٦١٣ معاملة في ٢٠١٩.
وتصدرت أحياء “حكلو” و”المدينة ٢” و”المدينة ٧” في مدينة القامشلي، أعداد حركة البيوع وحجم المعاملات العقارية على مستوى المحافظة، بينما جاء في المرتبة الثانية من حيث حركة بيع العقارات، أحياء الصالحية والعزيزية والناصرة والكلاسة بمدينة الحسكة، ومن ثم أحياء مدينة المالكية.
ورصد معد التحقيق نمو سوق العقارات ومن تجليات ذلك كثرة مجموعات في مواقع التواصل أنشئت لهذا الغرض،مختصة ببيع وشراء العقارات في محافظة الحسكة، . وكان لافتا أن أغلب إعلانات بيع المنازل التي تم رصدها هذا العام، كانت في أحياء الكلاسة والصالحية والناصرة وتل حجر وغويران بمدينة الحسكة.
وأفادت مصادر متعددة أن أغلب عمليات البيع تجري عبر مكاتب عقارية، أبرزها “مكتب عقارات الحسكة”، الكائن في حي الكلاسة طريق كلية الزراعة، و”مكتب المستشار العقاري” الموجود في شارع الصالحية، و تتبع تلك المكاتب لأشخاص مرتبطين بقسد.
توثيق عقود البيع
اختلفت آليات توثيق عمليات بيع وشراء العقارات في محافظة الحسكة بعد إنشاء الإدارة الذاتية سجلات عقارية خاصة بها نتيجة غياب سجلات النظام العقارية، وجرى رصد أربع طرق لتوثيق الملكيات.
الطريقة الأولى: تسمى البيع بلا تثبيت أو “البيع البراني”، حيث يقوم الطرفان (البائع والمشتري)، بكتابة عقد بينهما بحضور الشهود، ومن ثم تصديقه من مختار البلدة بحضور وجهاء العشائر، دون تثبيت في السجل العقاري.
أبو مصطفى من سكان بلدة تل حميس، اشترى بيت من أحد الأشخاص بطريقة البيع البراني، وبرر سبب لجوئه لهذه الطريقة، الى أن النظام لا يعترف بسجلات الإدارة الذاتية، إضافة الى أن توثيق العقد ضمن سجلات قسد يتطلب دفع ضريبة، وبنفس الوقت هو مطلوب للنظام ولا يستطيع تسجيل العقد في الطابو الرسمي”.
وأوضح أبو مصطفى “رغم خطورة هذه الطريقة كون العمليات لا يتم توثيقها في السجل العقاري، إلا أن أغلب من يشتري البيوت بهذه الطريقة، تكون من أشخاص هربوا من المنطقة الى خارج سوريا كونهم مطلوبين من قبل قسد والنظام، وبالتالي لن يستطيعوا العودة الى المنطقة والطعن بعملية البيع”.
الطريقة الثانية: تتمثل بذهاب البائع والمشتري الى السجل العقاري التابع للنظام في مدينة الحسكة، ويكون ذلك في حال كان الطرفان ليسا مطلوبين لأي جهة أمنية.
محامٍ مقيم في الحسكة فضلّ عدم الكشف عن اسمه، أفاد لفوكس حلب، أنه يمكن للشخص الموجود في مناطق الإدارة الذاتية توثيق عمليات البيع في السجل العقاري التابع للنظام، دون الحاجة للذهاب إلى مناطقه.
وشرح المحامي ذلك قائلاً: “يمكن للمحامي أن يتفق مع كاتب العدل الموجود في محكمة النظام بمدينة الحسكة، ويصطحبه معه إلى مناطق قسد حيث يوجد الطرفان البائع والمشتري، ويقوم الكاتب بالعدل بإجراءات البيع، ومن ثم يقوم بتنظيم وكالة للمحامي كي يتابع الأخير معاملة فراغ العقار لصالح المشتري في سجلات النظام العقارية”.
ولفت المحامي الى أن “هذا الإجراء قانوني، وهو الحل الأفضل لضمان حقوق الناس”، موضحاً أن “تكلفة عملية فراغ العقار بهذه الطريقة بين ٤٠٠-٥٠٠ ألف ليرة سورية”.
الطريقة الثالثة: تجري عبر السجلات العقارية التابعة للإدارة الذاتية، حيث يذهب البائع والمشتري مع الشهود الى القاضي المسؤول عن العقارات في محاكم الإدارة، ويتم توثيق البيع.
لكن المشكلة في هذه الطريقة بحسب ما تحدث عدة أشخاص، أنه عند توثيق البيع، فإنه يجب على المشتري دفع ضريبة لقسد قد تصل من ١٠-١٥٪ من قيمة العقار، وهذه الضريبة تكون مقسمة الى عدة أجزاء، مثلاً ٥٪ للدفاع الوطني، ٣٪ لمهجري عفرين، ٢٪ لعوائل الشهداء، ٥٪ لإعادة إعمار المنطقة الشرقية، الى أن تصبح نسبة الضريبة ١٥٪.
الطريقة الرابعة: يلجأ أهالي الحسكة لتوثيق ملكياتهم عبر ما يسمى بالطريقة المزدوجة، حيث يوثق البائع والمشتري عملية البيع في محاكم الإدارة الذاتية، ومن ثم في السجل العقاري لمدينة الحسكة التابع للنظام لتثبيت الواقعة هناك أيضاً.
يُفضّل بعض الأشخاص هذه الطريقة، كونها تحمي أملاكهم من الطرفين (النظام وقسد)، ففي حال أراد شخص من طرف قسد أن يستولي على البيت، يقوم صاحب العقار بإبراز العقد الموثق في محاكم قسد، وبنفس الوقت مستقبلاً يضمن حقه في حال عودة النظام.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع