“رأيت منزلنا بأم عيني وهو يسقط على عائلتي” بهذه الكلمات القليلة المثقلة بالآلام يحكي محمد مأساته مع سنين من شتات، طفل يتيم عُثر عليه مشرداً في العراء قرب الحدود التركية بلا أهل ولا مأوى.
تتعثر الكلمات والأفكار وتخون الذاكرة حين يعجز طفل دون سن الثامنة عن وصف معاناته ورواية قصته المجهولة والتعريف بهويته الضائعة وكل ما يدور في خاطره “من أنا ومن أين جئت” حتى يسعفه ذاك المشهد الذي طالما بقي ماثلاً أمام ناظريه لا يغيب.
حين رأى منزله يهدم لِيَئِد أمه وأباه وأخوته أحياء ويدفن تحت أنقاضه طفولته وألعابه وكل ما يملك وكل ما يحب.
ثم يكمل ليختصر قصته بكلمات معدودة تحكي مأساة سنين “اسمي محمد أنا من حلب أمي وأبي ميتين كنت مع بيت جدي، بيت جدي راحوا على تركيا وأخذوني معهم، بعدين جدي تركني على الحدود ورحت عند امرأة نمت عندها ليلة ودلتني على هاد المسجد”.
قضى “محمد” ليلة باردة قاسية بقدر يفوق طاقة طفل بسنه، يقبع على حافة الطريق أمام باب المسجد الذي أرشد إليه، آملاً بأن يأتيه الصباح بالفرج فيجد ملاذاً آمناً يأوي إليه بعد كل هذا العناء.
يقول “أبو خليل” رجل يقبع في أحد مخيمات النازحين في قرية “بير الطيب” شمال غرب مدينة إدلب “وجدت محمد يمشي بمفرده وملامح التعب والشقاء الظاهرة عليه تعلن تشريده وشتاته”.
يكمل أبو خليل اقتربت من الطفل لأستفسر عن هويته فعلمت أنه يتيم الأبوين مشرد بلا مأوى فكفلته ليكون الولد الرابع عشر في كنفي.
أعرب أبو خليل عن سروره لوجود الطفل بين أطفاله قائلاً، وأنا مسرور حقاً لوجوده بيننا لأنه رزق ونعمة منّ الله علي بها، عندي ثلاثة عشر ولدا فليكونوا أربعة عشر والرزق على الله.
محمد طفل لم يتجاوز سن الثامنة، ينحدر من حي “الميسر” من مدينة حلب، فقد عائلته كاملة قبل أربع سنوات جرّاء قصف طيران النظام وحليفه الروسي على أحياء مدينة حلب خلال الحصار الذي أحكم على المدينة عام ،2016 والذي انتهى باحتلالها وتهجير ما تبقى من سكانها بعد تدميرها بشكل شبه كامل.
ذاك القصف الذي لم يسلم منه منزل لمدني، ولا مسجد للعبادة، ولا مدرسة للتعليم، ولا حتى مشفى، موقعاً عشرات وربما مئات القتلى والجرحى يومياً في المدينة.
عاش محمد أربع أعوام من الضياع والشتات، بدأت بموت والديه وهدم منزله، ومن ثم تهجيره من مدينته ونزوحه بين الحين والآخر؛ لتنتهي بتخلي جده عنه في العراء، فهل تستقر حياته تحت رعاية “أبو خليل” أم أن آلة القصف والتهجير ستعبث بطفولته من جديد.
سدرة المنتهى
المركز الصحفي السوري