الرئيس المصري السيسي هو أحد الزعماء العرب الأوائل الذين رحبوا بالاتفاق الثلاثي للولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، فما إن صدرت بشرى الاتفاق حتى غرد على “تويتر” مرحباً بالإنجاز. وإضافة إليه، كانت في مصر أصوات أخرى، مع وضد، ممن يطرحون الأسئلة حول الإحساس الحقيقي لمصر تجاه التطبيع الكامل لعلاقات إسرائيل مع دولة عربية أخرى.
لم يعقب أي حزب في مصر رسمياً وباسمه على هذا التطور الهام، رغم وجود العلاقة الوثيقة بين مصر والإمارات. فالبرلمان المصري الذي درج على الإعراب علناً عن تأييده لموقف الإمارات في تصديها لهيمنة قطر وتركيا، اختار الصمت هذه المرة. وباستثناء تغريدة السيسي، لم يصدر بيان رسمي، على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري أو وزارة الخارجية المصرية مثلاً.
تناول صلاح منتصر، كاتب الرأي الشهير في صحيفة “الأهرام”، المسألة في مقال له مشككاً في نية إسرائيل الحقيقية في موقفها من الضم؛ بمعنى أنه أراد القول إن موضوع الضم لم يشطب عن جدول أعمال إسرائيل، رغم تصريحات الإمارات بأن الاتفاق لم يكن ممكناً إلا بعد تخلي إسرائيل عن ضم مناطق الضفة. عمرو موسى الذي شغل سابقاً وزير الخارجية المصري ثم الأمين العام للجامعة العربية، وإن كان رحب بالاتفاق، لكنه في الوقت نفسه طلب مواصلة الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
منذ التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل، وقفت مصر في مكانة الصدارة في كل ما يتعلق بإسرائيل والشرق الأوسط. فالقاهرة مشاركة في إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وتتوسط مع حماس، وتدخلت بصمت مع تركيا لمنع أسطول مرمرة، وإدارة محادثات خلف الكواليس مع الرئيس السوري حافظ الأسد لدفع التسوية مع إسرائيل إلى الأمام. وهذه مجرد قائمة جزئية. ولكن قد تفقد مصر صدارتها مع دخول الإمارات في خط سلام مع إسرائيل. وإذا انضمت دول عربية أخرى لمسيرة التطبيع مع إسرائيل، فقد تفقد مصر مزيداً من قوة نفوذها مع إسرائيل. فاللاعبون العرب الجدد سيتنافسون فيما بينهم على من يساعد الفلسطينيين أكثر. والجمود في المسألة الفلسطينية ينقل بندول النفوذ إلى منطقة الخليج. وينبغي الافتراض بأن مصر تنظر إلى ذلك بغير قليل من انعدام الراحة. كما أن وصول المصلين من الخليج إلى الأقصى سيعظم نفوذ الإمارات، إلى ما هو أبعد بكثير من حجمها في العالم العربي.
لا تزال الصدارة -في نظر إسرائيل- في يد مصر، ويجب أن تبقى هكذا. فالدولتان ترتبطان بمواضيع ثقيلة الوزن: الحرب ضد الإرهاب الإسلامي الراديكالي، ومسألة غزة وحماس، واتفاقات الغاز بين الدولتين وبمشاركة اليونان وقبرص. وإذا ما تطور الاتفاق مع الإمارات إلى علاقات ذات مغزى تفسر كتطبيع رسمي للعلاقات مع إسرائيل، فهذا سيحث السيسي على تحسين العلاقات الثنائية مع إسرائيل، التي هي اليوم في منطقة قريبة من الصفر. هذا تحدٍ للرئيس المصري، والأمل هو أن يسير في طريق التطبيع التدريجي الذي يعزز مكانة مصر ودورها في المنطقة لمنفعة إسرائيل. وبالتالي، من المهم تثبيت التطبيع مع الإمارات على أساس صلب، وذلك لتشجيع الآخرين للسير في أعقابها.
نقلا عن القدس العربي