عائلات أحرقت بأكملها وجيل أميّ بسبب حصار النظام وقصف المدارس
هبة محمد – دمشق – «القدس العربي» : ليل طويل مرّ على آلاف المدنيين في ريف دمشق الشرقي، ممن دفنوا أكثر من 140 شخصاً من ذويهم وأطفالهم خلال 24 ساعة قضوها يبحثون في تلك الأحياء المحاصرة بالغوطة الشرقية عن بقايا أشلاء فلذات أكبادهم العالقة بين الأنقاض وتحت الركام، بعد ان أطبقت اسقف البيوت على ارضها وقد عجنت ما بين فكيها من أطفال ونساء ورجال، بفعل حمم المقاتلات الروسية والسورية والغارات الجوية والصاروخية التي لم تتوقف منذ أيام.
مصادر أهلية تحدثت لـ «القدس العربي» عن مجازر أسفرت عن مقتل عائلات بأكملها ما بين أم وأطفالها وأقرباء وجيران قضوا جميعهم بقصف جوي مكثف استهدف مراكز تجمع المدنيين في مدن وبلدات الغوطة الشرقية على بعد بضعة كيلومترات من مركز العاصمة دمشق، فقد قتل امس الأربعاء أكثر من 26 مدنياً بينهم ستة أطفال ونساء في حصيلة أولية، وأصيب أضعافهم بجروح، إثر قصف جوي استهدف بلدة حمورية بريف دمشق، حيث عملت فرق الدفاع المدني على انتشال جثامين القتلى، وإسعاف الجرحى إلى المشافي الميدانية المكتظة بالحلات الحرجة في ظل افتقاد الكثير من الادوية اللازمة للإسعافات والعلاج، فيما قتل 10 آخرون في غارات جوية من المقاتلات الحربية الروسية والسورية على بلدة بيت سوى، مما خلف دماراً في الممتلكات الاحياء السكنية، إضافة إلى مقتل نحو ستة مدنيين على الأقل في قصف مماثل على مدينتي حرستا ودوما وجرح أكثر من 30 آخرين بينهم مراسل قناة أورينت نيوز «محمد عبد الرحمن».
وأتى التصعيد العسكري على ريف دمشق عقب يوم وصف بأنه الأكثر دموية حيث شهدت تلك المنطقة المحاصرة بحواجز النظام العسكرية والميليشيات الإيرانية والعراقية، وتشهد تغطية نارية روسية، مقتل 86 مدنياً أغلبهم نساء وأطفال بعضهم من عائلات واحدة كعائلات «كرنبة، والشيخ حسن، وادريس ومحجوب» التي فقدت ثمانية أطفال مع أمهاتهم.
شهادات مروعة
الناشط الإعلامي عمر صالح دون واصفاً ما تمر به مدينته دوما قائلاً «في هذه الأيام العصيبة والليالي المؤلمة التي تعصف بنا وفي كل لحظة أحداث مفجعة تمر كان أبرزها وأقساها اليوم، في عزاء لشهيد من اّل الدرة استشهد قبل أمس بالقصف فسقطت الفذيفة على العزاء وقتلت أخا الشهيد وابنه فأصبح العزاء لثلاثة من آل الدرة، اما المشهد الثاني لشهيد من ال «رجب شمشم» اعتقل ابنه في أول الثورة وبقي لديه واحد لا يتجول في المدينة الا ويصطحبه معه لشدة تعلقه به، وبينما كانت العائلة كاملة معاً بما فيها الاب والام والطفل، سقطت قذيفة قتلتهم جميعاً كي لا يموت أحد منهم قهراً على فراق الآخر، ومشهد اخر لرجل أتى إلى متجره ليطمئن على اولاده فلا يجدهم فيحمد الله أنهم ليسوا في المحل فينادي مناد من بعيد أنهم استشهدوا على دراجتهم النارية بقذيفة وهم عائدون من المحل».
امرأة من «آل علايا» حامل تنتظر مولودها بفارغ الصبر فتخترق شظية جسدها وتلقيها شهيدة معه، وظننا ان النهار انتهى بهذه الفواجع فاذا بمأذنة المسجد تنادي على الشهيد غياث وهو الشهيد الرابع لأمه ووالده الخامس، غابت الشمس ولم يقفل اليوم بعد والقذائف والصواريخ لا تتوقف عن مدينتنا معلنة فواجع أخرى وضحايا يدفنون بصمت».
جيل لا محالة جاهل، فلا مدارس ولا جامعات ولا أية ملامح توحي بتبدل حال المحاصرين ومستقبل الأطفال، ممن اصبح عمره من عمر ثورة كاملة، وتزامن تاريخ ولادته مع اندلاع الحرب السورية قبل نحو سبعة أعوام، حيث يشق السلك التعليمي طريقه بصعوبة بالغة بسبب اغلاق المدارس بشكل متكرر ولشهور طويلة واستهداف الطلاب والمعلمين بالقذائف الصاروخية والمدفعية، علاوة على عدم تمكن الطلاب من اكمال دراستهم الجامعية بسبب ظروف الحصار المطبق.
مديرية التربية والتعليم في ريف دمشق، أعلنت امس الأربعاء عن إيقاف العملية التعليمية في مدارس مدن وبلدات شرق العاصمة، بسبب القصف المكثف لقوات النظام السوري، وجاء في بيان للمديرية أن سبب إيقاف التعليم عدم القدرة على حماية الطلاب والكوادر في المدارس في ظل قصف قوات النظام وروسيا، محملة إياهما المسؤولية عن ذلك، وناشدت المديرية، المنظمات الدولية ضرورة إيقاف القصف على المدارس والمدنيين في الغوطة الشرقية.
هيئة التفاوض
أعلن المكتب الإعلامي لهيئة التفاوض السورية أن وفداً من الهيئة برئاسة الدكتور نصر الحريري سيعقد لقاءً مع المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي مستورا خلال اليومين القادمين، وسيكون على جدول الاعمال العديد من النقاط من أهمها الوضع الإنساني نتيجة الحملة التصعيدية التي تنفذها قوات النظام والطائرات الروسية منذ نحو أسبوع على مدن وبلدات ريف إدلب والغوطة الشرقية واستخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً، كما سيناقش وفد الهيئة مع المبعوث الدولي تشكيل اللجنة الدستورية وتطورات مسار جنيف.
الائتلاف الوطني
من جهته اعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ان «النظام والاحتلال الروسي» قد ارتكبا 4 مجازر في الغوطة الشرقية.
وذكر الائتلاف السوري في بيانه ان النظام بدعم من الاحتلال الروسي شن هجمة إرهابية واسعة على الغوطة الشرقية، وتسببت الغارات التي نفذت خلال الساعات القليلة الماضية بوقوع مجازر خلفت عشرات الشهداء والجرحى.
الهجمة الحالية تمثل برأي المصدر تصعيداً خطيراً، حيث يسعى النظام وبشكل مكشوف لتقويض الحل السياسي بكل مستوياته من خلال قصف وضرب كل الحدود أو الخطوط الحمراء المزعومة، كما تستهدف طائرات النظام وطائرات الاحتلال الروسي المناطق السكنية والمساجد ومراكز الدفاع المدني والنقاط الطبية، ولا تزال فرق الدفاع المدني والإسعاف تبذل جهوداً جبارة وتعمل في ظل ظروف شديدة الخطورة على إسعاف المصابين وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض وتوثيق أعداد الضحايا التي تتزايد على مدار الساعة بسبب استمرار القصف وكثافته.
النشطاء يشيرون إلى استخدام ذخائر شديدة التدمير، وأن مباني كاملة تنهار فوق ساكنيها، كما تم رصد حركة نزوح داخلية في الغوطة، حيث يتفاقم الوضع الكارثي إلى حدود تفوق التصور، فحصيلة المجازر التي وقعت خلال الساعات الماضية، تستمر في التصاعد وبحسب الأرقام الحالية فقد استشهد 7 مدنيين على الأقل في مدينة عربين، بينهم نساء وأطفال، إضافة لجرح آخرين، كما استشهد 6 مدنيين على الأقل في كفربطنا، بينهم نساء وأطفال، واستشهد 7 مدنيين في دوما، و5 في مسرابا، كما استشهد ما لا يقل عن 4 مدنيين في حمورية، بينهم نساء وأطفال، وجرح آخرين، واستشهد 7 مدنيين في حزة وسقبا ومديرا.
وخلال الأسابيع الماضية تم توثيق سقوط أكثر من 350 شهيداً مدنياً في الغوطة الشرقية، مع التذكير بأن استخدام غاز الكلور بات سلوكاً متكرراً مستمراً لا يلقى الموقف المفترض من قبل المجتمع الدولي، هذه التطورات توضع أمام رعاة الحل السياسي، لأن المجازر والهجمات الإرهابية على المدنيين لا يمكن أن تستمر بالتوازي مع أي نوع من أنواع الحل السياسي الذي يواجه في حد ذاته جملة من التحديات والعراقيل إضافة إلى الانعدام الكامل للجدية والالتزام من طرف النظام.
وانتهى البيان في الإشارة إلى إن الصمت الدولي وصمت الدول الراعية للحل السياسي تجاه هذه الهجمة والمجازر التي نتجت عنها، يعطي ضوءاً أخضر لاستمرار الإجرام، ويعتبر في نظر السوريين شراكة في العدوان عليهم.
الإدارة الأمريكية تحذر من استخدام الأسلحة الكيميائية، متناسية أن هذا الاستخدام أصبح سلوكاً شبه يومي في خرق للقرارات الدولية، وخرقاً للخطوط الحمراء المزعومة، وفضحاً مستمراً للعجز الدولي وللفشل الدولي وللتواطؤ الدولي بحق الشعب السوري.
وحذر الائتلاف الوطني من أن انهيار الحل السياسي سيكون النتيجة الأكيدة لاستمرار هذا التصعيد، ولا بد للمجتمع الدولي من التدخل الفوري لوقف هذه الحملة الإرهابية ولجم النظام وداعميه.
… وأبو الغيط أدان التصعيد وحذّر من أزمة إنسانية غير مسبوقة
القاهرة – «القدس العربي»: أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط «الهجمات التي شنتها قوات النظام السوري على الغوطة الشرقية خلال الأيام الماضية»، مؤكداً أن «خطورة الوضع الإنساني هناك تستدعي وقف الحملة العسكرية فوراً، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدينة المحاصرة منذ عام 2013».
وأكد أن «استمرار هذه الهجمات والحصار يضع نظام خفض التصعيد على المحك، خاصةً أن الغوطة الشرقية مشمولة ضمن الاتفاقات التي تم التوصل إليها العام الماضي في إطار مسار الآستانة»، مشيراً إلى أن «استهداف ثلاثة مستشفيات خلال الأيام القليلة الماضية يُنذر بأزمة إنسانية غير مسبوقة».
ودعا الدول الضامنة إلى «اتفاقات خفض التصعيد إلى ممارسة نفوذها من أجل وقف إطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل»، مضيفاً أنه «لو صحت التقارير التي تناولت استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة وإدلب، فإن ذلك سيمثل جريمة مشينة يتعين محاسبة مرتكبيها».