يوم دفعتهم غريزة البقاء إلى الهروب من الموت المحتوم نحو مصير مهجول _موت مؤجّل _التصق بهم كما العار لقبُ لاجئ
وها هم يدفعون ثمنه مرارًا وتكرارا في كل حين و وقت
سوريون يقطنون خيامًا لم يكونوا يشعرون بوجوها، لو لم تندلع النيران فيها قبيل ساعات، فهربوا بأرواحهم مرة أخرى إلى المجهول.
لم تبقَ في الداخل لهم أية إشارة إلى أن هذا المكان حق لهم، ولم تبق في الخارج أية إشارة إلى أن ثمة حقاً لهم … بل هو ذنبهم هم الذين خانوا أرضهم واستبدلوا الذي أدنى بالذي هو خير، و زاحموا غيرهم على أرضهم .
لم يبق لأقدامهم طريق تألفه وزاوية تتمدّد عليها. درب العودة إلى مكان مألوف، بشوقٍ و بطءٍ وفرح، ما عادت ممكنة. صارت ممحوَّة. محاها موت الألفة واستحالة العودة، محاها غياب الوطن.
وطن؟!
أضحت هذه التسمية من تراث السوريين في المنفى وفي الوطن أيضاً، حتى أولئك الذين لا يزالون يعيشون ضمن حدوده، باتوا يدعون له بالسقيا في افتتاح كل حديث.
أَلَمْ يعلّمونا أن الوطن هو تلك الأرض التي نعيش ضمن حدودها ونشعر بالانتماء إليها؟
معذرةً فلم يعد لدينا أرض ننتمي إليها،
فمن الحرب العسكرية إلى السياسية فالاقتصادية؛ لينتهي بهم المطاف بين فكي رحى الحرب الوجودية حيث يموت كثر ويبقى كثر قد قُتل بداخلهم الشيء الكثير.
عندما ترى وطنك يُغتصب، ستشعر أن كل شبر من جسدك هو الذي يمارس فيه الاحتلال رغباته، ستندفع لتكون مدافعًا مقاتلًا حتى الرّمق الأخير، لكنك حين تشعر فجأة بأنّ وطنك نفسه تحوّل الى مغتصب، وبعد أن تفقد جزءًا من عقلك وأنت تحاول أن تجعل الحياة ممكنة نوعا ما،عندها فقط ستصاب بشلل الصمت محاولًا الهروب خارج نطاق وجودك، ولكن إلى أين ؟
ستظل متربصًا على حدود روحك، باحثًا عن منفذ للهرب منه، لكنك ستجد نفسك تدفن بعض أعضاء روحك في ذلك الوطن، وتهاجر بالأخرى التي مازالت صالحة للعيش خارج حدوده، حيث لا يوجد ثقبٌ يكفي للفرار بالجسد كاملًا.
وهكذا ستظل حيًّا خارج حدود روحك، وربما فاقدًا بعض أعضائك التي اضطررت يوما لدفنها في تراب الوطن، كي تظل شاهدةً على ماتبقى من هويتك.
وفي النهاية سيمنّ عليك الوطن بورقة براءة ذمة كاعتراف رسمي منه بأنك (وطني).
بقلم أحمد جعجع
المركز الصحفي السوري