صحيفة العرب
ارتباك الخارجية الأميركية في إدارة الملف السوري يفسح المجال أمام بروز الدب الروسي
لا شك في أن الساحة السورية قد تحولت إلى ملعب لتصفية حسابات دولية، ومُستقرا للحرب الباردة بين بعض القوى، لاسيما بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا أنها في ذات الوقت تشهد تبادلا للأدوار بين نفس القطبين بقصد أو دونه، وهو ما يعكسه انشغال واشنطن بداعش، فيما تأخذ روسيا على عاتقها حلحلة الأزمة سياسيا في سوريا مع الأخذ بعين الاعتبار مصالحها الاستراتيجية.
تكشف التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط وتحديدا في سوريا عن وجود “تقسيم أو تبادل للأدوار” بين اللاعبين الرئيسيين على الساحة السورية لتنسيق بينهم أو لتغير في الأولويات لدى أحدهم.
ويبدو ذلك جليا من خلال الدفع الروسي الأخير ومحاولاته رعاية حوار “سوري-سوري” بعيدا عما أفضت إليه نتائج “جنيف”، فيما تُركز واشنطن جُل اهتماماتها على “مواجهة الإرهاب” الممثل في تنظيم الدولة الإسلامية وباقي الجماعات بسوريا والعراق، عبر تحالف دولي بمشاركة عربية حرصت على تشكيله.
ولم تحدد واشنطن أي سقف زمني للانتهاء من معركتها ضد التنظيم ، مكتفية بالتأكيد أن الأمر قد يستغرق أربع سنوات، مشيرة إلى أن حل النزاع السوري سوف يكون المرحلة التالية بعد القضاء على داعش، وهو ما ترك الفرصة سانحة لموسكو لإعادة تقديم خدماتها لقيادة الأزمة بديلا مباشرا وقويا عن أميركا.
وفي سياق تحليل الوضع السوري من زاوية تغيير الأدوار، يلفت الخبير في شؤون العلاقات الدولية سعيد اللاوندي، في تصريحات خاصة لـ”العرب” من القاهرة، إلى أن المشهد الحالي يؤكد أن الغرب ترك الأزمة السورية إلى “روسيا”، لاسيما في ضوء التطورات الحالية، كما ترك الأزمة الليبية إلى “فرنسا”، وكأنه نوع من “التقسيمات الجديدة” تحت قيادة واشنطن، لافتًا إلى استمرار الدعم الروسي حتى الآن لنظام بشار الأسد.
موسكو وواشنطن في سوريا تقاسم أدوار أم صراع
* رخا أحمد حسن (عضو المجلس المصري): روسيا لا تريد أن تستأثر واشنطن بالمنطقة، ولهذا لا يوجد تقاسم للأدوار
* سعيد اللاوندي (الخبير في العلاقات الدولية): المشهد يكشف وكأن هناك نوعا من “التقسيمات الجديدة” تحت قيادة واشنطن
بالمقابل يربط بعض المحللين سياسة “تبادل الأدوار” بالارتباك الأميركي الحاصل في الشرق الأوسط، لاسيما في ضوء فشل رهانه على الإسلام السياسي في مصر.
من جهة أخرى يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن، في تصريحات خاصة لـ”العرب”، أن ما يحدث اليوم يعكس في حقيقة الأمر حالة الصراع الدولي القائمة، موضحًا أن هناك قوتين رئيسيتين متنازعتين على المشهد السوري (روسيا وأميركا).
وشدد الدبلوماسي المصري على أن الدور الروسي الداعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد يأتي بسبب مصالح روسيا الاستراتيجية.
ويردف قائلًا: “روسيا لا تريد أن تستأثر واشنطن بالسيطرة على المنطقة، وكذلك الصين التي لا تريد أن تفرض الولايات المتحدة الأميركية هيمنتها على الشرق الأوسط”، لافتًا في السياق ذاته إلى أن كلٍا من الطرفين يتسلح بأسلحته في هذا الصراع، مؤكدًا أنه لا توجد سياسة تقسيم أدوار بين الطرفين وفق تلك الرؤية.
وتحولت سوريا بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في مارس 2011 إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية، وملعب تتنافس فيه تلك القوى على زعامة منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، يوضح المستشار السابق للأمين العام للجامعة العربية السفير طلعت حامد (الذي شغل منصب أمين البرلمان العربي)، في تصريحات لـ”العرب”، “أن الوضع في سوريا بصفة عامة هو انعكاس للحرب الباردة الدائرة رحاها بين طرفين، الأول هو “روسيا الاتحادية”، والثاني هو “الولايات المتحدة الأميركية”، فالأول يدعم النظام السوري لمصالح عسكرية واستراتيجية، أما واشنطن فتبدي دعمًا للمعارضة السورية المعتدلة، ومن ثم فإن المشهد الحالي هو تعبير مباشر عن حالة الصراع بين القوتين (واشنطن وموسكو).
ويصف حامد حالة الصراع في سوريا الآن على أنها “لا حرب ولا سلام”، موضحًا أن هناك العديد من العوامل التي تصب في مصلحة النظام السوري بقيادة بشار الأسد، تأتي في مقدمتها الحرب الدولية ضد تنظيم “داعش”، وهي الحرب التي لا تخدم سوى النظام.