تحوي سورية العديد من المغارات والكهوف القديمة التي تعود إلى عصور تاريخية مختلفة, تعد هذه الكهوف والمغارات سمة بعينها للعديد من المناطق في سورية, سيما تلك المناطق الجبلية التي تتميز ببنية صخرية معينة, حيث نلاحظ انتشاراً واضحاً لمئات الكهوف المتفاوتة الأحجام والأعماق بشكل يدعو للدهشة والعجب, ولا يترك مجالاً للشك في عراقة وأصالة هذه المناطق التي سكنها الإنسان منذ القدم.
المناطق التي تنتشر فيها الكهوف:
تنتشر مئات الكهوف والمغارات في مختلف المناطق على امتداد الأراضي السورية, ويلاحظ انتشارها بكثافة في المناطق التي تحتوي على تضاريس وبنية جيولوجية ملائمة لحفرها واستخدامها, كمنطقة جبل سمعان في ريف حلب الغربي وجبلي باريشا والزاوية في إدلب, ومناطق واسعة من ريف حماة الشمالي, وفي السلاسل الجبلية الساحلية, وفي سلاسل جبال القلمون في ريف دمشق, وبعض السلاسل الجبلية في البادية السورية, ومنطقة اللجاة الصخرية التابعة لمحافظة درعا, إضافة إلى مناطق سورية أخرى.
الحرب وعودة ظاهرة الكهوف:
لا يخفى على القاصي والداني ما أحدثته الحرب السورية من دمار كبير طال العديد من بيوت السكن, ومفاصل المعيشة في العديد من المدن والقرى والبلدات بعد أن تعرضت لحملات عنيفة من القصف العشوائي والمركّز بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة, ما دفع العديد من العائلات والأسر إلى النزوح عنها, الأمر الذي اضطرهم إلى اللجوء إلى السكن في الخيام والكهوف.
يتحدث لنا “أبو جمال” 47 عاما كان يعمل في فرن للخبز في بلدة “كفر زيتا” في ريف حماة الشمالي عن هذه الظاهرة قائلاً: “تتعرض بلدتنا لغارات مكثفة من الطيران الحربي, إضافة لقصف مدفعي عنيف من قوات النظام القريبة منها, ما اضطر العديد من العائلات للنزوح عنها, وهذا ما حصل لأفراد أسرتي, ولكننا فضلنا اللجوء إلى أحد الكهوف القديمة في الأراضي الزراعية المحيطة بالبلدة, بحثاً عن الأمان, ولقلة إمكانياتنا فأنا لا أملك النقود التي تعينني على استئجار منزل في قرى أخرى بعيدة عن هذه الجبهة”.
لماذا يلجأ النازحون إلى الكهوف والمغارات؟
لا شك أن موجات النزوح الداخلي في سورية التي صنفت من قبل العديد من المنظمات الإنسانية في سورية على أنها “الأكثر قساوة في القرن الواحد والعشرين” اتخذت عدة صور وأشكال, فهناك الآلاف من الأسر التي لجأت للعيش داخل الخيام في المخيمات الحدودية في ريف إدلب الشمالي القريب من الحدود التركية, وبعض الأسر الميسورة الحال تمكنت من تأمين بعض البيوت المأجورة داخل القرى والبلدات في ريف إدلب “الآجار”, وقسم آخر وجد في الكهوف والمغارات التي تفتقر إلى أدنى درجات العيش الإنساني ضالته, ومنهم من قام بحفر مغارة صغيرة بالقرب من بيته وخصوصا في تلك القرى ذات البنية الصخرية بحثاً عن الأمان وتجنباً لعمليات القصف.
يقول “أبو حسين” 51 عاما من بلدة كفرسجنة في ريف إدلب الجنوبي الذي قام بحفر مغارة بجانب بيته في الفسحة الأرضية: “في بلدتنا عشرات الكهوف والمغارات التي قمنا بحفرها بأنفسنا, وقد سكنتها بعض الأسر النازحة إلى البلدة؛ لعدم توفر البيوت الفارغة, إضافة إلى حفر عشرات المغارات في المنازل وبقربها، يتم اللجوء إليها لحظات القصف بالطيران, لأن الأطفال والنساء يتملكهم الخوف الشديد في هذه اللحظات.. وفي النهاية الأمان بالله”.
اللجوء للكهوف, وصعوبة العيش داخلها:
بغض النظر عن كون تلك الكهوف والمغارات أصبحت ملجأ للأسر أثناء القصف في بعض القرى, إلا أنها تحولت لمساكن دائمة تحت الأرض لبعض الأسر الأخرى المشردة التي لا تتحمل العيش بالخيام, تفتقر تلك المغارات لعوامل الإضاءة الطبيعية والتهوية إضافة لعوامل أخرى وهي اختلاف درجات الحرارة وعوامل الرطوبة، الأمر الذي ينعكس مباشرة على الصحة العامة.
ليس ضرباً من الخيال, ولكنه واقع ملموس في سورية, كهوف مهجورة تحولت لمساكن تحت الأرض, بل قد نجد أحيانا كتابات توثق معاناة النازحين إليها, لتبقى شاهدة للأجيال القادمة, وتوثيقاً حقيقياً لأسوأ أزمة إنسانية عرفها التاريخ في قرننا الحالي.
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود