المفارقات الكثيرة التي تحملها قضية زواج المصريين من اللاجئات السوريات في الواقع الاجتماعي والعالم الافتراضي، جعلتها مطروحة للنقاش لأنها يمكن أن تأخذ مسارات أخرى في المستقبل، فقد بدأت تتحول إلى مادة دسمة لبعض منظمات حقوق الإنسان الدولية، وهناك من حاولوا توظيفها لإحداث شروخ سياسية بين مصر وسوريا.
الظاهرة انتشرت مع بدء نزوح السوريين إلى مصر عام 2012، وحملت في باطنها الكثير من التفاعلات بين فتاوى التحليل والتحريم، وصولا إلى السمسرة والتجارة من وسطاء استغلوا حاجات الراغبين في الزواج والراغبات في الستر لتحقيق منافع مادية.
كما أفرزت الظاهرة في أحد جوانبها مشكلة إضافية تمثلت في تعميق أزمة العنوسة بين الفتيات، وأحيانا خراب بيوت لبعض الزوجات المصريات غير القادرات على منافسة السوريات في جمالهن وعنايتهن بالرجل.
وإذا كان تلخيص الرغبة المشتركة في الزواج بين المصري والسورية في أن الرجل أراد أن يتخلص من التكاليف الباهظة للزواج من فتاة مصرية، بما يعنيه ذلك من مهر وشبكة ومسكن مناسب مع تأثيثه، والحصول قبل كل ذلك على عمل مربح، حتى ترضى به المصرية. فإنه في المقابل، كان الزواج برجل مصري يمثل مخرجا من أزمات عديدة للفتات السورية، بداية من توفير مأوى لها ولعائلتها في بعض الأحيان، وصولا إلى تأمين إقامة شرعية ومحاولة بدء حياة جديدة بدلا من تلك التي دمّرها الصراع في سوريا.
فادية بازرباشي سورية من حلب، اعتبرت في تصريحات لـ”العرب” أن فشلها في توزيع حلوياتها السورية في القاهرة، كان سببا رئيسيا في قبولها الزواج من محاسب مصري شاب، لكن بعد الزواج اختلفت طريقة معاملته لها حيث اعتبرها كأنها “جارية” اشتراها بثمن زهيد. وهو ما دعاها إلى رفض المعاملة بهذا الشكل فرد عليها بالاعتداء بدنيا ولفظيا ما دفعها للتصميم على طلب الطلاق، وبالفعل حصلت عليه في النهاية.
وقد رصدت “العرب” حالات أخرى تشبه بازرباشي، حيث أكدت يسرا فواز أنه لا يصح تعميم رأي واحد على كل الزيجات، فالخلاف يمكن أن يحدث بين السورية والمصري، وبين المصري والمصرية أو السورية والسوري.
وأرجعت عدم استمرار بعض الزيجات إلى كونها تمت من أجل المتعة، وبالتالي يحدث الطلاق سريعا، وتبقى تلك حالات فردية.
عبير الزايدي (32 سنة) من ريف دمشق، سردت قصتها لـ”العرب” فقالت إنها هربت وأسرتها من جحيم الموت ليستقروا في القاهرة، ونظرا إلى أنهم لا يملكون ما يساعدهم على مواجهة تكاليف الحياة توجهوا إلى إحدى الجمعيات الخيرية طلبا للمساعدة. وهناك تعرفت على مسنة مصرية عرضت عليها الزواج من ابنها شرط التنازل عن مؤخر الصداق والمهر، وتحت الحاجة والعوز قبلت العرض لكنها غير نادمة، لأن زوجها ظل يسعى إلى كسب ودها وإرضائها.
جميلة السيد صاحبة أحد مكاتب الزواج بنفس المنطقة، قالت لـ”العرب” منذ بدأ السوريون النزوح إلى مصر قام المكتب بتزويج المئات من الفتيات السوريات. حيث يتم الزواج عبر دعاية يستخدمونها تشبه “المنشورات الورقية” إلى جانب صفحة للمكتب على الفيسبوك تشرح مواصفات كل فتاة، والمهر الذي تطلبه والذي يتراوح بين 2000 و7000 جنيه (بين 250 و880 دولارا).
وأشارت إلى أن الأرقام تختلف حسب الأعمار والمؤهل الدراسي، كما أن مهر الفتاة البكر يختلف عن المطلقة أو الأرملة. المكتب كما تقول جميلة، لا يزال لديه فتيات سوريات كثيرات ينتظرن العريس المناسب، وهن في زيادة بعد أن نفدت الأموال التي جئن بها من بلدهن ولم يستطعن الحصول على فرص عمل فآتجهن إليه لتزويجهن.
وعندما واجهت “العرب” صاحبة المكتب بتقرير نشره موقع “المونيتور” الأميركي منذ أيام، بأن السوريات يقعن فريسة لمكاتب سمسرة للاتجار بهن وتزويجهن عرفيا للمتعة مقابل الحصول على عمولات، ردت بعنف “أنها تبغي وجه الله وتوفيق رأسين في الحلال وستر البنات بدلا من تركهن، خاصة بعد عجز المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن توفير احتياجات الكثير من السوريين”.
وطبقا لتقرير المفوضية، فإن عدد اللاجئين السوريين في مصر تزايد، حيث بلغ 150 ألفا عام 2014 واستقر عند 160 ألفا بحلول عام 2015، وفقا للإحصائيات الرسمية، لكن هناك معلومات غير رسمية تقول إن عددهم وصل نحو نصف مليون لاجئ ولاجئة في مصر.
وضع اللاجئات المأساوي أثار تعاطف الباحثة الاجتماعية منال عبدالقادر، لكن تعاطفها الإنساني لم يصرف نظرها عما سببته اللاجئات من مشاكل للمرأة المصرية التي تعاني من هواجس الطلاق أو العنوسة أو الزوجة الثانية، وطالبت من يريد مساعدة السوريات بتوفير فرص الحياة الكريمة لهن وليس بتزويجهن من الرجال المصريين.
أما الخبيرة مها سليم، فتعذر الرجل المصري على إعجابه بالسوريات، حيث كشفت دراسات متخصصة أنهن من أكثر النساء ذكاء في العالم، مشيرة إلى أن السورية بمثابة 4 نساء في امرأة واحدة، فهي ابنة وأم وصديقة وزوجة، وليست لديها طلبات كثيرة في الزوج، بخلاف أنها امرأة عاشقة للجمال.
وعلى النقيض منها المرأة المصرية التي ليست لديها خطوط فاصلة في حياتها، بدليل أنها تهتم بجمالها وأناقتها عند خروجها للعمل، لكنها لا تفعل ذلك في البيت. لكن خبيرة النوع مها سليم، تحذر الرجل المصري من أن السورية لها مساوئها التي تتمثل في أنها شديدة العصبية إذا غضبت.
على الجانب الآخر، أكد علماء دين أن الزواج جائز شرعا إذا تحققت فيه الأركان اللازمة لعقده من إيجاب وقبول وصداق وشهود وإشهار، لكن ما يطلق عليه “زواج السترة” يشوبه البطلان كونه مشوبا باستغلال الظروف العصيبة التي تعاني منها بعض الأسر المهجّرة قسرا من بلادها.
وقال علماء الدين إن ذلك محفوف بالمخاطر، لأنها إذا كانت بكرا فهل جاءت بصحبة ولي أمرها حتى يكون زواجها صحيحا أم جاءت بمفردها؟ أم هي ثيب وتدعي أنها أرملة أو مطلقة وليست لديها أوراق لأنها لاجئة؟ وتكون الكارثة الأخرى وهي تعدد الأزواج إذا كانت متزوجة في بلادها، بالإضافة إلى مشكلة نسب الأبناء إذا كان الزواج غير موثق.
العرب – شيرين الديداموني