هل أنا حقا فاشلة؟!!
هذا ما كان يتردد في داخلها سالي (اسم مستعار) …
سالي في سن العاشرة من الصف الرابع الابتدائي كانت تسمع هذا الكلام (أنت فاشلة.. حمقاء …بلا فائدة) هذا الكلام الذي لطالما هشم فؤادها، وبدأ يكبر معها شيئا فشيئا كل يوم وكل ساعة.. في ذلك الوقت ورغم صغرها لم ترد سوى التخلص من هذا الكلام الذي لطالما اعتبرته اتهاما بحق ذاتها ورغم صغرها تحدته لتثبت العكس… وكان الاجتهاد جل سعيها لتنال تفوقا في الصف الرابع وتركض تكاد تطير من الفرحة لترى والديها يضحكون معها لتفوقها ويعطوها الهدايا، من ثم ركضت لجدتها وكأنها ذهبت لتثبت نفسها وتعطي دليل برائتها..لكن سمعت كلام كاد يخنقها ( ما شاء الله هذه الحمقاء أتت بالتفوق ؟!) لماذا ..بعد كل هذا التفوق أما زلت حمقاء ..ألم أسقط هذه الاتهامات بعد ؟! ..وهل سأحملها معي لتكون رفيقة أيامي القادمة ونارا يحرقني في المستقبل؟!! …كبرت هذه الفتاة الصغيرة لتصل إلى الصف الثالث الإعدادي (التاسع) وهنا بدأ إثبات الذات بعد مرحلة لا بأس بها من دراسة منهاج التاسع سيطر على المدينة تنظيم الدولة فأغلقت المدارس ..أكملت بالمعهد ولكت لم يكن التحدي بهذه السهولة ليأتي قرار إغلاق المعاهد قبل الإنتهاء من المنهاج …هل أقف لهذا الحد هل أضيع تعب كل هذه الأيام والشهور؟!! ..كل ما أعرفه أنني لن أتوقف لا الآن ولا غدا ولا تحت أي ظرف كان …تحدت نفسها والظروف..المعلمات أغلقوا المدارس واكملوا التعليم بالمنازل وهي أكملت معهم ولكن تم الإمساك بإحدى صديقاتها لتلقى في السجن …ولماذا؟! لماذا؟ تلقى في السجن هل قتلت أم كانت تتبع إحدى حقوقها وهو التعلم…لا بأس لن نضع الكتب في الحقيبة بل سنكتفي بدفتر واحد ونضعه بين ملابسنا ونكمل …نعم سنكمل…لكن بعد فترة من هذه القصة تم إيقاف دروس العربي بسبب مراقبة منزل معلمة العربي. قالت لنفسها لابأس سنكمل باقي الدروس عند المعلمات الأخريات لا بأس بقليل من الراحة من دروس العربي…بعد أسبوع تم فك المراقبة وأكملت المنهاج كاملا ولكن أتى التحدي الأكبر والدها الذي أبى سفرها وتقديم الإمتحان في مدينة حلب …ماذا! ماذا! لن أقدم الامتحان بعد كل التعب والإصرار ؟! هل هذا ما سيحدث حقا؟! …ربما لا أدري ما سيحدث ولكن عندي مزيدا من الإصرار والثقة بالله.. إن كان التحدي يصل لوالدي ليصل … أخذت وكأنها تحدت والدها الذي قراره لا مناقشة به والذي اعتاد أن يقول اسمها بعد كل طلب يطلبه …ثلاثة أيام من العناد وعدم الأكل كانت كافية ليس لتغيير رأي والدها فقط بل ليأتي ويقول لها صديقتك ستسافر مع عائلتها إلى حلب لتقديم الامتحان هل تذهبي معهم؟! ..رفعت رأسها لتقول له بكل قوة وفرحة (لم لا) مع ابتسامة النصر …حزمت امتعتها ووضعت كتبها بين أغراضها ..غلب طابع الكتب على الملابس التي حملتها معها في الحقيبة …يا الله وكأنه انفصال عن روحي هذا الرحيل بمفردي هل كبرت حقا لأسافر مع إحدى صديقاتي دون أن يكون معي أي فرد من أفراد عائلتي؟! لا بأس يا سالي لا بأس أنت وضعت نفسك هنا لذا أكملي أكملي دون خوف ..صعدت السيارة مع صديقتها وعائلتها …يا إلهي أول حاجز لتنظيم الدولة صعد إحدى العناصر وجلس بجانب السائق وقال ( سأفتش هذه الحقائب التي في الخلف بعد قليل ، الآن أكمل القيادة ) …والكتب يا الله إن شاهدوا هذه الكتب ماذا سيحصل بنا؟! بدأت تقرأ آيات القرآن هي وصديقتها ..بدا الطريق كأنه لن ينتهي …شاحب مخيف ويزداد طولا وكأنه آخر طريق تراه في حياتها …خوف عم أرجاء قلبها ولكن لم تقطع الأمل وإصرار المتابعة …أكملت تلاوة بعض الآيات لآخر حاجز لتنظيم الدولة نزل العنصر وقال رافقتكم السلامة.. دون تفتيش؟!..يا الله لم يفتش أي حقيبة؟! الحمدلله …وهكذا زاد إصرارها على متابعة العلم ..العلم الذي كان إحدى الحلول التي اختارتها للابتعاد عن كل تلك الاتهامات ..الاتهامات التي لطالما حطمت قلبها وحرقت فؤادها منذ صغرها ..العلم هو الطريق الذي لن تتخلى عنه ..
شيماء قادرو /المركز الصحفي السوري