حلب وإرث أوباما

تعرّضت حلب على مرّ التاريخ للاجتياح مرّات، إلا أنّ ما جرى لها في العصر الحديث هو الأعنف، فقد قتل محور الشر من أبنائها ما يضاهي عدد القتلى على يد التتار والمغول والصليبيين. لكن يخطئ من يعتقد إنّ القاتل الأول هو الأسد أو بوتين، فكلّ ما جرى بإخراج إدارة باراك أباوما، والمنفذ هما إيران وروسيا.
أسئلةُ كثيرة تركتها حلب، لتِحاججنا أمام الله عما جرى بها من تدمير ممنهج للبنى التحتية، ثم الانتقال للتقتيل والتهجير، فعندما وضعت حلب على المحك، وتحوّلت كل الجهود الدولية لإنهائها تكشف المستور في سياسية أوباما الذي وضع آخر بصمة له قبل مغادرته البيت الأبيض بنزع ورقة حلب من يد المعارضة، فالاتفاق المزمع بين وزير الخارجية، ألأميركي كيري، والروسي لافروف، في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، تُرجم، في الجزء الخفي منه، بتسليم حلب لروسيا كما سلّم العراق لإيران.
سيرحل أوباما تاركاً خلفه فوضى خلاقة مؤلفة من 66 مليشيا على الأرض، ولاؤها الأول لولي الفقيه الإيراني، فيما تفرّدت في سماء سورية طائرات عداونية وقطع بحرية، إذ خطّ أباوما بيده آخر اتفاق لتدمير حلب، ولاحت أفقه عبر فيضٍ من سجال أميركي روسي، وتبادل في الأدوار بفصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة في حلب، في الستة الأشهر الأخيرة، وجاء يوم الوعيد لقيامة حلب في 12/12 من الشهر الحالي، ليكون ثقباً أسود في سجل آل الأسد لمجزرة حماه 1982.
هدّد الرئيس بوتين سابقاً بجولة أخيرة في حلب، متعهداً بسحق المعارضة، إن طال الزمن أو قصر، متجاهلاً أي دور لمجلس الأمن، ما دام مندوبها صاحب الفيتو، ضاربةً بعرض الحائط الجهود الغربية والأوربية التي كان سقفُ تحرّكها تلويحٍ بفرضِ عقوباتٍ اقتصادية لا تسمن ولا تغني من جوع.
الغريب، وبفضل تطوّر التكنولوجيا في عصرنا، أنّ المذبحة بُثّت مباشرةً على وسائلِ الإعلام، والعالم بأسره صامت متخاذل، فالأمم المتحدة غائبةُ حاضرة على المذبحة الحلبية، وحكام العرب اكتفوا بإلغاء أعيادهم الوطنية حتى أنّنا لم نشهد حتى تصريح واحد لأمين عام جامعة الدول العربية يندّد بتلك المجازر أو يظهر موجات قلق كما عوّدنا عليها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وكعادتها دول الأعضاء في مجلس الأمن تحوّلت تلقائياً إلى وكالات أنباء تفنّدُ وتقلق وتصف ما يجري في حلب كأيّ مراسل حربي يوثق المآسي والمعاناة.
المفاجأة الكبرى أنّ كلّ الفصائل في سورية، لم تُحرّك ساكناً لنصرة أهلنا في حلب. أمر مريب من قادةِ الفصائل السورية التي خرجت لله كما تدعي أن تكتفي بالجلوس بمواقعها، وكأنّ هناك من ربط على أعينهم غشاوة فلا هم يبصرون ولا يعقلون، وهذا إن دلّ على شيء يدل على أنّ حلب كشفت المستور عن ارتباط ولاء القادة المطلق لمشاريعهم الزائلة، ومن يدري ربّما أنهم أعطوا وعوداً مستقبلية مقابل صمتهم عن حلب.
لن يمرّ في العصر الحديث رئيس دولة كذاك الرجل الراحل عن البيت الأبيض المكتفي بسياسية النأي بالنفس فلا هو قدّم سلاح الدفاع عن النفس، ولا هو أخمد النار، بل سلّم سورية لبوتين وغضّ الطرف عن التمدّد الإيراني في المنطقة، ودعم الأسد في قتل شعبه وأغرق العالم في التفاصيل، واكتفى بإرثه المخزي الذي اختتمه بنهاية حلب أرضاً وشعباً.
العربي الجديد – يمان دابقي

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist