تعدّ سوريا ثاني دولة عربية بعد تونس بإنتاج زيت الزيتون البكر، ويمتاز بجودته العالية وانخفاض نسبة الحموضة فيه، إذ كانت من الدول المصدرة للزيت سابقا نظرا لوجود فائض عن حاجتها منه، فيزيّن موائدهم ومأكولاتهم بلونه المميز وطعمه اللذيذ، فلا يكاد يخلو منزل سوري منه، إذ يدخل في قائمة “المونة” ويتم تخزينه في موسمه سنويا؛ ليكون متوفرا طيلة العام.
“بلد الزيت من دون زيت، لوين وصلنا”، هذا ما قاله “أبو أكرم” من مدينة حماه الخاضعة لسيطرة النظام بعد أن كان متحمسا وهو في طريقه لشراء “تنكة” زيت الزيتون من إنتاج الموسم الحالي، إلا أنه صدم عندما أخبره التاجر أن ثمنها 28 ألفا، فعاد أدراجه خائبا بيدين فارغتين لأنه لا يمتلك ثمنها، وهو يحدث نفسه ويتحسر على أيام موسم الزيتون سابقا، عندما كان الخير كثيرا ويتهادى الجيران والأقارب ثماره الخضراء والسوداء والزيت من أول عصرة، فيقول:” هالبلد ما ضل فيها خير!”.
وبلغ سعر صفيحة الزيت في مدينة إدلب وريفها الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية 24 ألفا، أي ما يعادل تقريبا 44 دولارا للزيت الطازج و21 ألفا لزيت الموسم الماضي، ورغم أن ثمنها أقل من مناطق النظام إلا أن كثيرا من الأهالي لا يمكنهم اقتناؤها ما يضطرهم للاستعاضة عنه بزيت نباتي آخر أقل ثمنا، حيث يبلغ ثمن الليتر منه 600 ليرة، فلا طعم له وليس فيه بركة كزيت الزيتون إلا أنه كما يقول المثل “العين بصيرة واليد قصيرة”، فالحرب في سوريا ساهمت بارتفاع أسعار السلم الغذائية الأساسية أضعافا مضاعفة، فقد كان ثمن “تنكة” زيت الزيتون 16 كغ ب2500 ليرة سورية.
ومن يمتلك أرضا من أشجار الزيتون يدرك تماما سبب هذا الارتفاع في سعره، فقد ارتفع عن العام الماضي بمعدل 10 آلاف للصفيحة الواحدة، ويرجع ذلك للأسباب التراكمية ذاتها تلك التي ساهمت بارتفاعه الأعوام الماضية التي تتمثل بارتفاع أجور العاملين في قطاف الموسم، فلا يرضى أي شخص أن يعرض حياته للخطر بأقل من 3000 ليرة باليوم الواحد وبالأخص في المناطق المحررة المحاذية لمناطق التوتر التي تشهد قنصا متبادلا، بالإضافة لتكاليف النقل والعصر، حيث تبلغ تكلفة عصر الكيلو الواحد 20 ليرة؛ نظرا لانعدام الكهرباء واعتمادهم في المعاصر على المولدات.
“أم خالد” نازحة من ريف حلب تقول:” كان عنا أراضي كتير وما كنا نعرف شو طعمة الزيت النباتي أو السمنة، كنا نطبخ كل شي بزيت الزيتون، وبعد ما خسرنا بيوتنا وأراضينا صرنا نشتهى على طعمتو، الله يجازي الي كان السبب بتهجيرنا وحرماننا من رزقنا”.
ولعل السبب الأبرز في غلاء ثمنه، وجود كثير من الأراضي الواقعة ضمن منطقة اشتباكات مستمرة بين الأطراف المتنازعة، فضلا عن تعرض بعض الأراضي للقطع من قبل ضعاف النفوس بهدف استعمال خشبها حطبا مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع ثمن مازوت التدفئة.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد