كان على الثورة السورية أن تتحمل تبعات انطلاقها في زمن ارتباك أميركي، ولحظة تحول في الاستراتيجيات الأميركية تجاه قضايا المنطقة، وفي سياق ضمور البعد الديموقراطي – التنويري للغرب وانحسار دوره الكوني، قياساً إلى دوره في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ما أعطى زخماً إضافياً للقوى المتأخرة ثقافياً وسياسياً، سواء كانت دولاً أم تنظيمات، أن تصعد وتملأ الفراغ الذي أحدثه الانكفاء الأميركي والانحسار الغربي، وبرز ذلك جلياً في القضية السورية، ولفت الكاتب إلى أنه كان على السوريين وثورتهم مواجهة الأطماع الإمبراطورية للقيصر والمرشد معاً، موضحا أن الأول، أراد أن يعيد لروسيا دوراً عالمياً على أنقاض حطام الاتحاد السوفياتي السابق من البوابة السورية، والمرشد أدرك أن كسر مشروع الهيمنة الإيراني على المشرق العربي في حلقته السورية يعني انحساره في كامل الإقليم، فوقف الاثنان بكل قوتهما خلف آلة البطش والقتل للسلطة السورية، ومنعا الحسم العسكري، في الوقت الذي منعا فيه الحلول السياسية، واعتبر الكاتب أن انتقال الثورة السورية من مستوى تكتل السوريين حول مسألة الحرية إلى مستوى الفوضى الراهن وحرب الجميع على الجميع، لا يلغي مشروعية الثورة الأخلاقية والتاريخية والسياسية، بمقدار ما يؤشر إلى قوة عوامل التاريخ التي أمسكت بخناق السوريين، وأيضاً، على عمق أزمات عالمنا المعاصر في ظل إدارة أميركية ركيكة تخلت عن مسؤولياتها كدولة عظمى.
صحيفة الحياة اللندنية – منير الخطيب