“عذراً.. عام 2016 ليس لدي أي أمنية.. إلا أن تبقى جدتي بجانبي مدى الحياة” تلك كلمات الطفل براء(10 أعوام) من ريف حلب بعد موت والدته متأثرة بجروحها البالغة من شظايا صاروخ طائرة روسية استهدفت الحي الذي تسكنه بصحبة الأبناء والأحفاد، ومع هجرة والده للعمل في تركيا لم يبقَ له غير الجدة التي أصبحت كل ما يملك في الدنيا.
لطالما كان حضن الجدات ملاذاً لكثيرين من الأبناء وكلماتهن المؤثرة تدخل القلب دون استئذان، فهم من يداوي الجروح الجسدية والمعنوية.
تقول هاجر(15عاماً) أصبت بحمى شديدة أدت إلى ارتفاع في درجة حرارة جسدي النحيل وبدأت التذمر والملل من الألم الذي بات لا يفارق جسدي، ومع ندرة الدواء وارتفاع ثمنه، توترت أكثر، لكن بقرب جدتي – أطال الله في عمرها- خففت عني، جلستْ بجانبي تضع كمادات الماء وتعمد لتغير الماء كلما خفت برودتها وبحديثها الشيق وعادتها القديمة في سرد الحكايات بدأت بحكاية قصة الشاطر حسن الذي أسرع لإحضار الدواء للأميرة الحسناء خوفا من ازدياده لكنها بدلت الكلمات متماشية مع الوضع، فدمدمت مبتسمة لم يجد الشاطر حسن الدواء وبات عليه الجلوس إلى جانب الأميرة ووضع كمادات الماء ومساعدتها كما أفعل أنا يا بنتي.. ابتسمت وقبلت يدها.. ما أروعك أيتها الجدة!”.
كما تكشف الجدة أم مصطفى – تركت الثمانين عاماً وراءها- متحدثة عن الليالي التي كانت تروي فيها قصصها المثيرة لأحفادها، تقول” كان أولادي يأتون لزيارتي في القرية، لم تكن تسعني الدنيا من الفرحة، أستقبلهم بكل ما لدي من المنزل وأقدم لهم ما كنت أعده من طعام المونة كالمكدوس واللبنة.. وعند انقطاع الكهرباء كنا نجلس في حوش المنزل وأروي لهم قصصاً عن بطولات جدهم الذي مات دفاعاً عن الوطن، حتى أبنائي الذين يحفظون تلك القصص كانوا يسعدون بها.. آه كم أفتقدهم الأن، فمنهم من هاجر مع أبنائه إلى أوربا ومنهم من نزح داخل الوطن ومنهم من فارق الحياة مبكراً؛ نتيجة الحرب.. صارت حالنا كما في حال القصص والروايات، كان يا ما كان.. كان في عنا عيلة”.
ناهيك عن دور حكايا الجدة التربوي الذي كان يخدم المجتمع مثل تمجيد القيم الإيجابية كالكرم والشجاعة والنخوة والإخلاص، تقول ساره (35 عاماً) من مدينة حلب ” تعلمت الصبر والإخلاص من حكايا جدتي التي كانت تعيش معنا في بيت الأهل وها أنا بعد فقداني لأبنائي الصغار ما زلت أصبر وأحتسب أجري عند من لا يظلم أحدا وأصدق في معاملتي مع الآخرين وأخفف من آلامهم كما علمتنا الجدة- رحمها الله”.
تبدلت حكايا الجدة وبات عليها أن تحمل كل الآلام بصدرها الرحب وقلبها الحنون، تدمدم سارة “عظيمة أيتها الجدة نحنُّ لأيام الحكايا والقصص في زمن أفقدتنا الحرب فيه اللحمة العائلية وحرمتنا الشكل التي كانت عليه لكن كلماتك السحرية.. “لا يأس مع الأمل” مازالت ترُن في آذاننا”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد