اصطدم السوريون بمشكلة “الأوراق الرسمية” بعد عرقلة النظام السوري الحصول عليها أمام معارضيه، لعلّ أبرزها البطاقة الشخصية وجواز السفر، ليلجأ البعض إلى تزوير تلك الوثائق أو الحصول عليها بطرق غير قانونية، وهو ما أوجد فرصة لـ “المزورين” لاستغلال حاجة المدنيين.
لم يتقبل السوريون ظاهرة “التزوير” ولكن بعضهم أجبر عليها بعد أن أوصدت الأبواب في وجهه، وشيئاً فشيئاً ازدهرت تلك الظاهرة على هامش الفوضى التي خلقتها الحرب، وتواجدت عشرات المكاتب التي تعمل بالتزوير تحت ستارة “تسيير الأعمال” دون التفكير بمخاطر هذه الظاهرة وما قد يترتب عليه من آثار على المدى القريب والبعيد، في ظل غياب جهات تكافح تلك الظاهرة.
محمود أبو حسن , صاحب مكتب “تعقيب معاملات” في ريف إدلب الجنوبي, تحدث لمراسل “الصوت السوري” عن خيارات المواطن المتاحة للحصول على الأوراق لتسير شؤونه “يوجد خياران أمام المواطن أولهما الحصول على أوراقه بشكل نظامي دون أن يذهب الى مناطق النظام، وهذا يتطلب تكلفة مادية مرتفعة نظراً للمبالغ التي تدفع كرشوة لكل موظف نتعامل معه في دوائر النظام، وعلى سبيل المثال إخراج القيد المدني تكلفته ما يقارب 25,000ل.س، وينطبق ذلك على أوراق أخرى كالسجل العقاري والتجاري والمدني, والأمر الثاني وهو التزوير وهو الخيار الأسهل لدى الناس، وتكلفته المادية منخفضة، فضلاً عن سرعة الحصول على الوثيقة، إلا أن هذه الخطوة ربما تنجح وربما تفشل، أي تكتشف الجهة التي تطلب الأوراق أنها مزورة”.
الحصول على الأوراق المزورة طريقة استخدمها اللاجئون
بعد حملات لجوء السورين الكبيرة الى أوربا، كان لا بد لمن ترك عائلته في سوريا أو في أي بلد أخر، أن يطلب لم شملها وهذه الخطوة تتطلب الحصول على عدد من الأوراق الثبوتية، ويشترط في تلك الأوراق أن تكون صادرة عن الحكومة السورية، رغم عدم قدرة الكثير من اللاجئين الحصول عليها.
أبو محمد يحيى، لاجئ سوري في دولة أوربية، قال لـ “الصوت السوري” “لم أتمكن من الحصول على أوراقي الرسمية اللازمة للم الشمل، لا سيما أن تلك الأوراق بحاجة إلى تصديق سفارة الدولة التي لجأت إليها، فضلاً عن خطورة تلك الأوراق على عائلتي في حال مرورهم على حواجز النظام”.
وأضاف أبو محمد : ” تواصلت مع أحد مكاتب التزوير داخل سوريا , وفي ظرف أسبوع , استطعت الحصول على كامل الأوراق المطلوبة ومترجمة وجاهزة لتقديمها في موعد المقابلة المحدد لعائلتي , بناء على طلب لم الشمل, وبمبلغ مالي مناسب وصل تقريباً الى 250,000ل.س، وما كنت لأفعل ذلك لولا أنني خشيت من فوات موعد المقابلة، وفرصة لمّ الشمل، فالحصول على أوراق رسمية تأخذ وقتاً طويلاً”.
الجهة المسؤولة عن مكافحة التزوير والحلول المطروحة
تجاوز موضوع “التزوير” حاجات المدنيين الأساسية، ووصل الأمر إلى تزوير الشهادات الجامعية ، وهو ما دفع عدد من الجهات المدنية العاملة في المناطق “المحررة” إلى مكافحة الأوراق المزورة، حيث أصدرت مديرية الصحة في إدلب في وقت سابق تعميماً يحمل الرقم (527/ص)، أعلنت فيه تحويل أي عامل في القسم الطبي يثبت استخدامه لوثائق طبية مزورة إلى المحاكم المختصة.
الدكتور منذر خليل مدير صحة إدلب شجّع في حديثه مع مراسل “الصوت السوري” الطلاب الذين لم يكملوا دراستهم الطبية إلى استكمالها بالمعاهد الطبية التابعة للمعارضة، مشيراً إلى أن “التزوير” لن يفيد أصحابه، وسيأتي يوم يُستبعد أي شخص لا يحمل أوراقه الرسمية”.
ومن جهته قال الأستاذ محمد العبدو، رئيس فرع نقابة المحامين في إدلب لمراسل” للصوت السوري” ” علاج مشكلة التزوير في المناطق المحررة يتطلب ملاحقة المزورين الأصلين لهذه الأوراق , من قبل المحاكم والجهات الثورية , وإيقاع العقوبات عليهم، وبالأخص الأشخاص الذين يستخرجون أوراقاً ووثائق تحتوي على معلومات محرفة ومغلوطة”.
ولم ينكر العبد أن تزوير الأوراق ساهم في تسيير أمور المواطنين، مشيراً أن “هذا لا يعني ترك الباب مفتوحاً أمام المزورين، وإنما إيجاد جهات مختصة في استخراج أوراق رسمية بديلة عن أوراق النظام”.
الأثر القانوني لتزوير الأوراق في المناطق المحررة .
قسّم الأستاذ محمد العبدو، رئيس فرع نقابة المحامين في إدلب، عمليات التزوير في المناطق “المحررة”، إلى قسمين:
القسم الأول: أوراق مزورة تحتوي معلومات “صحيحة” أي أن الأوراق المزورة تطابق الأوراق الحقيقية 100%، بالأختام والمعلومات.
و الثاني: هو قسم الأوراق المغلوطة، ولا تستند إلى أصل لا في دوائر النظام أو المعارضة ولا أحد يقبل بها عند الثبوت.
ويشير العبدو أن “المزور مزور ولا يمكن اعتباره أصلي في أي حال من الأحوال” مشدداً أن “التزوير” ظاهرة يجب محاربتها.
ذهب مصدر حقوقي في ريف إدلب، رفض ذكر اسمه، إلى أن الضرورة دفعت البعض إلى تزوير أوراقهم خوفاً من الاعتقال، إذ أن الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام للحصول عليها، وهو ما يبرر استخدامها إذا سُدّت الأبواب أمام المدنيين، لا سيما إذا كانت المعلومات الواردة لا تحوي أي تحريف.
وأضاف المصدر أن الإشكالية في الأوراق المغلوطة، فلا يمكن لإنسان أن يقبل بها مهما كانت الظروف، وهذه الأوراق ساهمت في خلق مزيد من الفوضى في مناطق سيطرة المعارضة.
أمية برس